وبعد ذلك بفترة يخرج الله يأجوج ومأجوج من ردم بناه عليهم ذو القرنين، قال الله جل وعلا: ((ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)) [الكهف:92 - 94].

فهؤلاء يخرجون بقدر الله في آخر الزمان، كما قال تعالى: ((حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ)) [الأنبياء:96]، فيفر عيسى والمؤمنون الذين معه إلى جبل الطور، ويمكث هؤلاء يفسدون في الأرض ويشربون بحيرة طبرية ويكون منهم ما يكون، ثم إن عيسى يدعو عليهم فيبعث الله عليهم أول الأمر دوداً في رقابهم فيموتون كلهم في وقت واحد.

ثم يبعث الله جل وعلا طيراً تحملهم فتلقيهم في البحار، ثم ينزل الله مطراً ليس لأهل زرع ولا لأهل ضرع يغسل الأرض من نتنهم.
  • طيب العيش بعد هلاك يأجوج ومأجوج
ثم ينزل عيسى والمؤمنون الذين معه، وهنا تطيب الحياة حقاً، وتمر الأرض بأفضل أيامها؛ لأن الله يأمر الأرض أن تخرج بركتها، وكأن في ذلك -والعلم عند الله- رد على ما كان يصنعه الدجال، وينزع الله حمة كل ذي حمة، أي: كل صاحب أذى يخلص منه الأذى، يقول عليه الصلاة والسلام: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزوا الهند) وهذه لا أعلم كيفيتها (وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم)؛ وهذه الفئة التي تكون مع عيسى بن مريم يبين لهم عيسى بن مريم درجاتهم في الجنة، وقد مكثوا أربعين يوماً يحاربون الدجال، وعصمهم الله جل وعلا من الدجال، فإذا مكن عيسى أخبرهم بدرجاتهم في الجنة، ويقول صلى الله عليه وسلم يخبر عن انصراف الناس عن الدنيا: (حتى تكون السجدة للرجل خير من الدنيا وما فيها)؛ لأن المؤمنين آنذاك يرون قرب الساعة؛ لأنهم يعيش بين أظهرهم عيسى ابن مريم، وهم على يقين من أن الساعة قريبة، وأن الأمر حق، فهم يرون نبياً من أنبياء الله يمشي بين أظهرهم فيتفرغون للعبادة، ولو شغل أحدهم بالدنيا لم ينشغل؛ لأن الأمور يقينيات وآيات ظاهرة، فلا يقبل أن يترك السجدة أبداً؛ لأنه يبحث عما يزيد في درجاته في أخراه.

ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين عاماً، ولا أدري أيدخل فيها ما مكث قبل خروج يأجوج ومأجوج أم لا، ولكن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه: يمكث أربعين عاماً، قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى للعيش بعد المسيح)، أي: بعد أن يؤمن الله جل وعلا العباد بالمسيح من يأجوج ومأجوج، ثم بعد ذلك يموت عيسى بن مريم، كما قال تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) [آل عمران:185]، ثم تتوالى بقايا أشراط الساعة تباعاً حتى تطلع الشمس من مغربها، ثم تكون نار تحشر الناس إلى أرض المحشر.
  • بشرية يأجوج ومأجوج
إن يأجوج ومأجوج هم بشر من ذرية آدم، والله جل وعلا يقول في القرآن عن نبيه نوح: ((وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)) [الصافات:77].

ففهم أهل العلم من هذه الآية أن الله جل وعلا حصر ذرية بني آدم بعد الطوفان في أبناء نوح، ولهذا يقول بعضهم: إن نوحاً عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية، والمشهور عند أهل الأخبار أن نوحاً ترك أربعة: كنعان ويافث وسام وحام، فيقولون: إن كنعان هو الذي غرق، ولا ريب في أن أحد أبناء نوح قد غرق بنص القرآن، ولكن هل هو كنعان أو غيره، فهذا علمه عند الله جزماً، والمشهور عند أهل الأخبار والسير أن الذي غرق هو كنعان، فبقي ثلاثة هم يافث وسام وحام.

والخلاصة من هذا أن يأجوج ومأجوج عند أكثر أهل العلم من ذرية يافث بن نوح، وأن هؤلاء القوم كانوا متشبعين بالهمجية، والمقصود بالهمجية هنا غير اللفظة العامية الدراجة، وإن كان المعنى قريباً، فالمراد أنهم غير ذوي بناء حضاري، فهم يفعلون الشيء لمجرد الفعل، كما وجد في بعض العصور من التتار حين دخلوا بلاد الإسلام.

فيأجوج ومأجوج من نسل يافث بن نوح، يعيشون خلق ردم بناه عليهم ذو القرنين، وهو ملك صالح، وهل هو نبي أو غير نبي؟ اختلف فيه ولا يوجد نص قاطع، بل ورد في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أدري أكان ذو القرنين نبياً أم لا).
  • حكمة الله تعالى في خفاء مكان يأجوج ومأجوج
والله جل وعلا إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، فلو علم الناس بمكان يأجوج ومأجوج -ولو من باب التطفل الحضاري- لذهبوا إليه، ولكن الله جل وعلا أخفاه، ويقال: إنه قريب من ولاية جورجيا في الاتحاد السوفيتي سابقاً، فهذا أكثر قول أهل العلم بالجغرافيا والنظر في الأبحاث، ولكن يبقى الأمر ظناً، فردم عليهم ذو القرنين حتى لا يخرجوا، وهم متعطشون والهون للخروج، وسيأتي عليهم يوم يخرجون فيه، كما قال الله: ((حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ)) [الأنبياء:96].

وقد بينا خروجهم، وقلنا: إنه بعد خروج يأجوج ومأجوج يطيب العيش بعد المسيح، وهذه أمور غيبيه لا يمكن لأحد أن يجزم فيها بشيء تفصيلاً، إلا بما دل عليه خبر صحيح صريح عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
  • طلوع الشمس من مغربها
معلوم أن الشمس خلق من خلق الله، فالله يقول في القرآن: ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) [يس:38]، وطلوعها من المشرق وغيابها في المغرب أمر متحقق يراه كل ذي عينين منذ أن حلق الناس، وقد حبسها الله لـ يوشع بن نون كما في الخبر الصحيح، يقول شوقي: قفي يا أخت يوشع أخبرينا أحاديث القرون الغابرينا هذا شاعر أديب ينظر إليها نظرة أدبية فيقول: أنت في علو والأحداث تقع في الأرض وأنت تراقبينها، فأنت أعلم بما وقع من أحداث وخطوب في قصص التاريخ تحت منظرك وعينيك.

وقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي موسى: (كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فزعاً إلى المسجد يظنها الساعة، فصلى بأطول قيام وسجود وركوع يفعله)، والإشكال في الحديث أن أبا موسى رضي الله عنه عبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن تكون الساعة، وأبو موسى صحابي جليل لا يمكن أن يتجرأ على أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة دون أن يرى شيئاً في النبي صلى الله عليه وسلم بجعله يجزم بهذا القول.