- فضائل الصبر وجزاء الصابرين
إن الصبر من الدِّين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمانَ لِمَنْ لا صبرَ له، ومَنْ يتصبَّر يُصبِّرْه الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر، وبه يظهر الفَرْقُ بين ذوي العزائم والهِمم، وبين ذوي الجُبْنِ والضَّعف والخَوَر. وجزاءُ الصابرين أنهم: ﴿ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا ﴾ [الفرقان: 75]. أي: يُجْزَون المنازلَ الرفيعة، والمَساكنَ الأنيقة، الجامعة لكلِّ ما يُشتَهَى وتلذُّه الأعين، وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا.
- حقيقة الصبر
- أنواع الصبر
1 - الصبرُ على الأوامر والطاعات حتى يؤدِّيها، قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]؛
2 - الصبرُ عن المناهي والمُخالفات حتى لا يقع فيها، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22]. وأكثر الناس يفعل الطاعات ويصبر عليها، ولكنه لا يصبر عن المعاصي، فَلِقِلَّة صبرِه عن المُحرَّمات لا يوصف بأنه من الصابرين، فلا يَعصم من الشهوات إلاَّ الصبر القوي. والمسلمُ إذا لم يكن مُتَّصفاً بالصبر قد تضعف إرادتُه، ويلين صبره، ويغشى المُحرَّم، ويقع في الموبقات، ويشقى شقاءً عظيماً، ويلقى عذاباً أليماً.
3 - الصبر على الأقدار والمصائب، ويعلم بأن المصيبة مُقدَّرة من الله تعالى، وأنَّ مَنْ صَبَر أُجِرَ، وأمْرُ اللهِ نافذ، ومَنْ جَزِعَ وتسخَّط أثِمَ، وأمْرُ اللهِ نافذ، ومِصداقُه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». فنحن بحاجةٍ إلى الصبر؛ لأنَّ مشيئة الله نافذة، فما شاء اللهُ كان، ومَن الإنسانُ حتى يعترض على قضاء الله وأمْرِه؟!
أنه من أخلاق الأنبياء، وتأمَّلْ صَبْرَ إبراهيمَ وابنِه إسماعيلَ - عليها السلام - حينما ابتلاهما اللهُ تعالى بالذَّبح: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 102-105]، وما زال يوسف - عليه السلام - يتبدَّل به الحال من ابتلاءٍ إلى ابتلاء، وهو صابرٌ، حتى نال ثوابَ الصابرين: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
- ثناء الله على الصابرين وعِظَم أجرهم
والمسلمون يتفاضلون فيما بينهم بمقدار صَبْرِهم؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» .
وللصبر أجرٌ عظيم: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]؛ وقال سبحانه: ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ» وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ»
من مواطن الصبر المهمة:
ومن المَواطن التي يتأكَّد فيها الصبر:
- الصبر على الفاجرين، قال تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]. ومنها الصبر في الدعوة إلى الله تعالى، وما يترتَّب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأذى والأَلَم، وقد جاء تأكيد ذلك في وصية لقمانَ لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
- الصبر في العشرة الزوجية؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»
- الصبرُ على الغَرِيم والمَدِين، قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
- أهمِّ الأسبابِ المُعينة على الصبر
أنْ يَعْلَمَ بأنَّ كُلَّ مُصيبَةٍ بِقَدَر: قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23]. فلن تقع مصيبةٌ إلاَّ بإذن الله تعالى، وقضائِه وقَدَرِه، فإنه سبحانه كَتَبَ مَقادِيرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ السماواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنة.
