غدًا يبدأ الصيام، وهذه الأرض تستعد لاستقبال نفحات الطهر والروحانية، حيث تمتد موائد الصبر والإيمان بين شعوبٍ وأممٍ، يلتقون في نور العبادة وإن اختلفت مسالكهم إليها. في هذا الشهر، تتجلى وحدة الهدف، إذ تتضافر القلوب في سعيها نحو الله، رغم تباين الخطى، لكنها تتجه جميعًا نحو ذات النور، نحو ذات المعنى الأسمى، نحو الله الواحد الأحد.

إن الصيام ليس مجرد إمساكٍ عن الطعام والشراب، بل هو تجربة روحية تتخطى حدود الدين الواحد، ليصبح رمزًا عالميًا يترجم السمو الروحي، ويؤكد أن البشرية، رغم تنوعها، تسير على دربٍ واحدٍ من الإخلاص للحق، والسعي إلى إعمار الأرض، وتحقيق العدالة والمحبة. فالله، الذي خلقنا جميعًا، جعل جوهر الأخلاق واحدًا: التسامح والتعايش، وقانون الحياة واحدًا: الوحدة في التنوع. كلٌّ يخطو وفق استعداده، وفق إدراكه، لكن الدرب واسع يسع الجميع، والمآل واحد: نور الحق والخير والسلام.

فلنتأمل في هذه الأيام كيف أن الصيام يذكّرنا بأن الجسد وإن اختلفت ألوانه وأصوله، فإن روحه واحدة، وأننا جميعًا نحمل في أعماقنا بذرة الخير، نرويها بالإيمان، ونسقيها بالمحبة، وننميها بالعمل الصالح. فلنكن سفراء لهذه الحقيقة، ولنجعل صيامنا ترجمةً لوحدتنا الإنسانية، وتجليًا لعظمة هذه الرسالة في الأرض: "يا أهل العالم إنكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد اسلكوا مع بعضكم بكل محبة واتحاد ومودّة واتفاق".
كل عام وأنتم بألف خير، وسلامٌ يعم قلوبكم كما يعم الأرض بأسرها.