بيّن أهل التفسير أنّ سبب نزول سورة الكافرون كان لمجيء أربعة من الكفار إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهم: الوليد بن المغيرة المخزومي، العاص بن وائل السهمي، أمية بن خلف الجمحي، الأسود بن المطلب، يعرضون عليه أن يعمدوا إلى عبادة الله -تعالى- سنة، على أن يُشاركهم في عبادة آلهتهم سنة. فنزلت سورة الكافرون تُنهي وتقطع جميع المفاوضات التي ليس من شانها أن تُحقق كمال وحدانية الله -تعالى-.
ذَكر ابنُ عباس -رضي الله عنه- في سبب نُزول سورة الكافرون أنّ جماعةً من كِبار قُريش؛ كالوليد بن المُغيرة وأبي جهل وغيرهم، جاؤوا إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وطلبوا منه أن يكون مَلِكاً عليهم، وأن يترك الدّعوة إلى الإسلام، وإذا لم يقبل بذلك، فيعبد آلهتم يوماً، ويعبدون إلهه يوماً، فأخبرهم النبيّ أنه لن يعبد آلهتم، ولن يعبدوا إلهه، وقيل في سبب نزولها أنّ رجالاً من قريش جاءوا إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وقالوا له: "يا محمد، هلمّ اتّبع ديننا ونتّبع دينك"، فنزلت السُّورة فيهم.
وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: قدِم بعض المُشركين إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وعرضوا عليه المال حتى يُصبح أغناهم، وأن يُزوّجوه بمن يُريدُ من النّساء مُقابل أن يتوقّف عن ذكر آلهتهم بسوء، فإن لم يقبل، فليعبُد آلهتهم سنة، ويعبدوا آلهته سنة، فنزلت سورة الكافرون جواباً على ذلك.
وجاء عن جماعةٍ من أهل التفسير أنّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لما قرأ بسورة النجم في مكة على المُشركين، ووصل إلى ذكر أسماء الأصنام؛ اعتقد المُشركون دخوله في دينهم، فطمعوا فيه، لكنّ النبيّ ردّ عليهم، ثُمّ نزلت فيهم سورة الكافرون، وقرأها عليهم، فأيقنوا أنّه تبرأ منهم، فشتموه وآذوه.
وقيل إنّها نزلت في بعض المُشركين الذين كانوا يستهزئون بالنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وهو يقرأ بسورة النجم في مكة، فلما قرأ قوله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)، قالوا: "ألقى الشيطان على لسانه"، فردّ عليهم النبيّ، فطلبوا منه -عليه الصلاةُ والسلام- عدم مُفارقة الكعبة إلا على أحد أمرين؛ إمّا بالدُخول معهم في بعض دينهم وأن يعبد آلهتهم مُقابل أن يدخلوا في بعض دينه ويعبدوا إلهه، أو أنْ يتبرّأ من آلهتهم ويتبرّؤوا من إلهه، فنزلت سورة الكافرون، وقرأها عليهم كجوابٍ لهم على سؤالهم.
- مكان نزول سورة الكافرون
وأمّا سبب تسميتها بسورة "الكافرون" فهو لورود كلمة "الكافرون" فيها.
وترتيبها في المُصحف: السورة التاسعة بعد المئة، واشتملت السورة على البراءة من المُشركين وأعمالهم، وإخلاص العمل لله -تعالى-،ولسورة الكافرون العديد من الأسماء، وهي فيما يأتي:سورة العِبادة، وسورة المقشقشة؛ أي المبرئة من الشرك، وقد ذكرها الطنطاوي في تفسيره الوسيط. سورة الجحد، وسورة الدِّين، وقد ذكرها الواسطي في تفسيره.سورة المُنابذة، وسورة الإخلاص، وذكر هذه الأسماء الزّحيلي في تفسيره.
- ترتيب نزول سورة الكافرون
- أوّلهما: بغية لفت انتباه الكافرين وفتح عيونهم على واقعة الفيل التي كانوا قد اتّخذوا من العام الذي وقعت فيه عاماً للتأريخ، بحيث كانوا يقولون حدث هذا الأمر في عام الفيل أو قبله أو بعده.
- ثانيهما: بغية تذكير المؤمنين لا سيما رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بضعف الكافرين والمعتدين، وبنصرة الله -تعالى- وتأييده لجنده وحزبه، وبعلو الحق وظهوره على الباطل.
- فضل سورة الكافرون
- دروس مستفادة من سورة الكافرون
الجرأة في إعلان المبادئ التي يؤمن بها الإنسان، والإفصاح عنها بطريقة واضحة وصريحة. مجانبة الحوار في المسائل والأمور التي فصل الدين فيها. مجانبة التخلي عن مبدأ من مبادئ الدين؛ بغية إرضاء الناس وجبر خواطرهم.
اعتزاز المسلم بدينه ومبادئه وأخلاقه وسلوكياته.
انتفاء فكرة سير المسلم وغير المسلم الذي أعلن رفضه للدين وفق نهج واحد، وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ كل إنسان مسؤول عمّا يختاره ويعتقده، حيث أنّه لا إكراه وإجبار في الدين فهو يقوم على أساس الحرية، والقناعة، والاختيار، كما أنّه حريّ بالإنسان ترك غيره فيما يختاره ويعتقده ويؤمن به، ومن الآيات القرآنية التي تُقرّ هذا المعنى قول الله -تعالى-: (وَإِن كَذَّبوكَ فَقُل لي عَمَلي وَلَكُم عَمَلُكُم أَنتُم بَريئونَ مِمّا أَعمَلُ وَأَنا بَريءٌ مِمّا تَعمَلونَ).
بيّن المقال سبب نزول سورة الكافرون، وبين علاقة سورة الكافرون بما حولها من السور، وما يستفاد منها من تعويد المسلم على الجرأة والاعتزاز بدينه.