منَ الآياتِ الدالةِ على عظمةِ اللهِ عز وجل أنّ في الإنسانِ جهازَ تكييفٍ وتبريدٍ، يُعدُّ مِن أدقِّ وأعقدِ الأجهزةِ، فالإنسانُ كائنٌ يتميّزُ بحرارةٍ ثابتةٍ، تعادلُ سبعاً وثلاثين درجةً، فكيف يصنعُ لو ارتفعتِ الحرارةُ، أو انخفضتْ، هو لا يموتُ إلا في حالتين؛ إذا ارتفعتْ حرارتُه إلى الخامسةِ والأربعين مع الرطوبةِ المطلقةِ، أو ارتفعتْ إلى درجة الستين مع الجفافِ المطلقِ، فما دونَ هاتين الحالتين فالإنسانُ مزوَّدٌ بجهازٍ بالغِ التعقيدِ يثبِّتُ حرارتَه في الدرجةِ السابعةِ والثلاثين، كيف يكون ذلك؟

في الإنسانِ من ثلاثةٍ إلى أربعةِ ملايين غدةٍ عرقيةٍ، موزَّعةٍ في الجلدِ توزيعاً حكيماً، ففي باطنِ اليدِ مثلاً في السنتمترِ المربعِ أربعمئة وثمانونَ غدةً عرقيةً، هذه الغددُ العرقيةُ لو وُصِلَ بعضُها ببعضٍ لصارَ طولُها خمسةَ كيلومتراتٍ في جسمِ كلٍّ منا، هذه الغددُ العرقيةُ في أيامِ الحرِّ الشديدِ تفرزُ مِن مئتي سنتمترٍ مكعبٍ يومياً، إلى ألفٍ وخمسمئةٍ سنتمترٍ مكعبٍ في الساعةِ الواحدةِ، إذا أفرزَ العرقُ، وانتشرَ على سطحِ الجلدِ الذي تزيدُ مساحتُه في الإنسانِ على مترٍ وثمانيةٍ بالعشرةِ من الأمتارِ المربَّعةِ، هذا الماءُ الذي تفرزُه خلايا العرقِ يتبخَّرُ، ومع التبخُّرِ يحصلُ ما يُسمَّى التبادلَ الحراريَّ، فحينما يتبخّرُ العرقُ يمتصُّ حرارةً من الجسمِ تُعيدُه إلى الدرجةِ الثابتةِ، إنه من أعقدِ أجهزةِ التكييفِ في الكونِ.

وحينما يبردُ الإنسانُ تضيقُ الأوردةُ لتخفِّفَ جَوَلاَنَ الدم في السطحِ الخارجيِّ، ليحافظَ الدمُ على حرارتِه، فإذا شَعَرَ الإنسانُ بالحرِّ اتَّسَعَتِ الشرايينُ والأوردةُ حتى ينتشرَ الدمُ في أوسعِ مساحةٍ في الجلدِ، أما إذا بَرَدَ الإنسانُ فإنّ لونَه يصفرُّ، لأنّ قُطْرَ الأوردةِ والشرايينِ يضيقُ ليبقَى الدمُ في الداخلِ محافظاً على حرارتِه، وحينما يرتجِفُ الإنسانُ، فهذا الارتجافُ يُوَلِّدُ طاقةً حراريةً يعوِّضُ بها ما فَقَدَه في المحيطِ الخارجيِّ، وحينما يقفُ شَعْرُ الإنسانِ يحجزُ هواءً ساخناً بحجمٍ أكبرَ.

(11)جهاز التعرق عندَ الإنسان

في الإنسانِ جهازٌ للتبريدِ، ويسمِّيه العلماءُ جهازَ التعرُّقِ، هذا الجهازُ بمنزلةِ جهازِ التبريدِ، وجهازِ التنظيمِ الحراريِّ للإنسانِ.

يتألّفُ هذا الجهازُ من مليون وحدةِ تبريدٍ، أيْ مِن مليون غدةٍ عرقيةٍ، والغدةُ العرقيةُ الواحدةُ تتألّفُ من أنبوبٍ طولُه ميليمتران، وقُطْرُه عُشْرُ الميليمتر، هذا الأنبوبُ يلتفُّ على نفسِه، ويتّصلُ بالجلدِ، وتتوزّعُ هذه الأنابيبُ على سطحِ الجلدِ على نحوٍ غيرِ متساوٍ، تكثرُ في الجبينِ، وفي أخمصِ القدمِ، وباطنِ الكفِّ، وفي أماكنَ أخرى من الجسمِ، بمعدّلِ ثلاثمئةِ غدةٍ عرقيةٍ في السنتيمتر الواحدِ، وكلُّ غدةٍ عرقيةٍ جهازُ تبريدٍ كاملٌ، وهذه الأنابيبُ المليونُ إذا وُصِلَ بعضُها ببعضٍ بَلَغَ طولُها خمسةَ كيلومتراتٍ في كلِّ جسمٍ، وفي كلِّ مئةِ غرامٍ من العرقِ الذي تنضحُ به هذه الخلايا تسعة وتسعون غراماً ماءً، وغراماً واحداً من الموادِّ المنحلةِ، نصفُها من الملحِ، ونصفُها من البولةِ، وبعضِ الموادِّ الكيميائيةِ الأخرى، والإنسانُ يفرزُ من العرقِ في الأربعِ والعشرين ساعةَ من ستمئةِ غرامٍ إلى ألفِ غرامٍ، إلى ما يعادِل كيلوغراماً من العرقِ، وإفرازُ العرقِ مستمرٌّ، ولا نشعرُ به إلا إذا كان غزيراً، والدليلُ على أن هناك إفرازاً مستمراً ليونةُ الجلدِ، ورطوبتُه، ولولا التعرُّقُ لما كان هناك ليونةٌ، ولما كانت هناك رطوبةٌ.

مِن وظائفِ التعرُّقِ طرحُ البولةِ، وتليِينُ الجلدِ، وتنظيمُ حرارةِ البدنِ، لذلك يجبُ العنايةُ بتنظيفِ الجسمِ لإزالةِ آثارِ التعرُّقِ الكريهةِ، لأن في جسمنا أملاحاً، وحمضَ بولةٍ، تماماً كما في البولِ، فلذلك قيل: (اِغْتَسِلْ وَلَوْ مُدّاً بِدِينَارٍ) .

إنّ غسلَ الجمعةِ يرقَى إلى الواجبِ، لإزالةِ أسبابِ التعرُّقِ، وحقُّ اللهِ على المسلمِ أنْ يغتسلَ كلَّ سبعةِ أيامٍ، كما ورد في الحديث، فعَنْ جَابِرٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ غُسْلٌ فِي سَبْعَةِ أيَّامٍ كُلَّ جُمُعَةٍ"، والنظافةُ من الإيمانِ، فبهذا التنظيفِ تُزَالُ رائحةُ التعرُّقِ الكرِيهةُ، وتُزَالُ رواسبُ التعرُّقِ بعدَ التبخُّرِ، وتُفتَحُ مَساماتُ الجلدِ، وتُفتَحُ فوهاتُ غددِ التعرُّقِ.