في عمق التاريخ اليمني، حملت المرأة اسمًا ليس كغيره، "مكالف"، وهو لقب لا يعكس فقط الدور التقليدي للمرأة في الأسرة، بل يتجاوز ذلك ليؤكد مسؤوليتها الكبرى في بناء المجتمع وصون القيم وحفظ التوازن في الأوقات العصيبة. إنها ليست مجرد فرد في العائلة، بل هي عمادها، وليست فقط جزءًا من المجتمع، بل هي روحه الحيّة، القادرة على توجيه دفته نحو السلام بدل الحرب، والبناء بدل الدمار.

دعونا نتعمق في تاريخ اليمن القديم، سنرى أن المرأة لم تكن كائناً ثانوياً، بل كانت قائدة، كاهنة، ملكة، وتاجرة. حظيت بمكانة مرموقة في حضارات سبأ وقتبان وحمير، وكانت شريكةً في صنع القرار.

واليوم، رغم المحن التي تعصف باليمن، لا تزال المرأة اليمنية تحتفظ بجوهرها "المكالف"، فهي التي تبني، تحمي، وتُصلح ما أفسدته الحروب.

وحين تمزق الوطن بالحروب والصراعات، كانت "المكالف" آخر حصن للصمود. في المنازل، تحاول إطعام أولادها رغم شح الموارد. في المجتمعات، تسعى للتهدئة وحل النزاعات بالحكمة واللين. وفي ساحات العمل والمبادرات، تكافح لبناء مستقبل جديد لأطفالها وأجيالها القادمة.

إن قوة المرأة اليمنية لا تكمن فقط في صبرها أو تحملها، بل في قدرتها الفطرية على التعايش والتسامح. فهي التي تعلم أبناءها كيف يختلفون دون أن يتناحروا، وهي التي تلملم جراح المجتمع عندما يعجز الآخرون عن ذلك. في زمنٍ تمزق فيه النسيج الاجتماعي، تظل المرأة الجسر الذي يربط أبناء اليمن، تتجاوز الجراح والانقسامات، وتزرع في الأجيال الجديدة قيمًا إنسانية تتجاوز الحقد والكراهية.

حينما تتبنى النساء قيم التسامح، ينعكس ذلك على المجتمع بأسره. فهن اللاتي يربين القادة، وينشئن الأجيال التي ستقود اليمن نحو مستقبلٍ مختلف، بعيد عن دوائر العنف والانتقام. المرأة اليمنية، بحكمتها وصبرها، تستطيع أن تصنع السلام داخل بيتها، ليكبر ويشمل الحي، ثم المدينة، ثم الوطن ويشع بأنواره على العالم بأسره.

إن إنهاء الحرب لا يكون فقط عبر الاتفاقيات السياسية أو المواثيق الدولية، بل يبدأ من البيوت، حيث تنشئ المرأة جيلًا جديدًا يرفض العنف ويؤمن بالحوار. عندما تعلّم المرأة أطفالها كيف يتحدثون بدلًا من أن يقاتلوا، وكيف يفكرون بدلًا من أن ينقادوا، فإنها تضع قاعدة يمن جديدة، يمن يتسع للجميع.

إن تمكين المرأة ليس رفاهية، بل هو ضرورة وطنية. فحينما تحصل المرأة على فرصها في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية، فإنها لا تمكّن نفسها فقط، بل تمكّن أمة بأكملها. وعندما يكون صوتها مسموعًا، فإنها تكون قادرة على كسر دوائر العنف التي لا تزال تحاصر المجتمع.



إن المكالف هن أمل اليمن في الخروج من النفق المظلم

اليمن اليوم بحاجة إلى صوت الحكمة، صوت التسامح، صوت البناء. ولا يوجد صوت أكثر صدقًا وأصالة من صوت المرأة اليمنية، "المكالف"، التي تحمل مسؤولية إنقاذ وطنها كما أنقذت بيتها في أحلك الظروف. إنها ليست فقط أمًا أو أختًا أو زوجة، بل هي وطنٌ بحد ذاته، إذا نُهِض به، نُهِض المجتمع بأكمله.

اليوم..!!

يحتاج اليمن إلى روح المرأة، إلى صلابتها في مواجهة الألم، وإلى قدرتها العظيمة على إعادة الحياة إلى كل ما تحطم. إن السلام يبدأ من امرأة، والبناء يبدأ من يدٍ ترفض الهدم، والمستقبل يُرسم بقلب يؤمن بالحب لا بالكراهية.

وإذا كان هناك من سينتصر للحياة في اليمن، فستكون المرأة، لأنها ببساطة "مكالف".

أنا شخصياً أؤمن بأن اسم "مكالف" مقتبسة من الإنجليزية وتعني صانعات الحب وواهبات المحبة للجميع ".