لحرب نارٌ تأكل الأوطان قبل أن تلتهم الأعداء، وسوادها يعمي القلوب قبل أن يعمي الأبصار.

ما الفائدة من سيفٍ يقطر دمًا إذا كان سيحفر قبور الأبرياء قبل أن يرفع راية النصر؟

أيُّ مجدٍ يُبنى على أنقاض البيوت المهدّمة؟ وأيُّ عزٍّ يولد من صرخات الأمهات الثكالى؟

كان العرب شعوبًا وقبائل، وجعلهم الله مختلفين ليتعارفوا، لا ليتقاتلوا. جعلهم متجاورين ليتسامحوا، لا ليتناحروا. فما أضعف المجتمع حين يستبدل الحكمة بالحقد، والتفاهم بالطعن، والعقل بالسيف!

قد تخلف الحرب قلاعًا من الخراب، لكن السلام وحده يصنع حصونًا من الحضارة. قد يملأ القتال الأرض بالجثث، لكن الحوار وحده يملؤها بالحياة. فهل آن لنا أن نسمو فوق جراح الماضي، ونبني مستقبلًا لا تسقيه دماء الإخوة؟

اليمن: وطن يُبنى بالحوار أم يُهدم بالقتال؟

تلك الأرض التي احتضنت فجر الحضارة، وسكبت في وديانها عطر المجد، أينعت فيها الممالك، وازدهرت أسواقها بالحكمة والشجاعة. اليمن، موطن السبئيين والحميريين، وأرض القلاع الشامخة التي شهدت أمةً عريقة لم تكسرها العواصف، ولم تُطفئ وهجها السنون.

قبائلها الأصيلة كانت دائمًا ميزانًا للكرامة والعزة، وأهلها عاشوا في ظل تنوع المدن، من صنعاء بسحرها التاريخي، إلى عدن بنسائم بحرها، وتعز بثقافتها، وحضرموت بعمق إرثها. مدنٌ كلوحة فسيفسائية تروي قصة تنوعٍ لا يعرف الفناء، فلماذا نجعل من هذا الجمال ساحةً للدمار؟

لماذا الحرب؟

لماذا لا نستبدل صوت الرصاص بنغمات الحوار؟

لماذا لا نعود إلى جوهرنا الحقيقي، إلى قيم التعايش والتسامح التي حفظت اليمن لقرون؟

الحرب تشوّه الأوطان، لكنها لا تغيّر الحقائق: اليمن باقٍ، وأهله قادرون على النهوض، إن هم اختاروا البناء بدل الهدم، والسلام بدل الفتنة، والحوار بدل النزاع. فلتكن رايتنا التعارف لا التناحر، وليكن إرثنا الحكمة لا الحرب، فقد كتب التاريخ أن اليمن أرض "الحكمة اليمانية"، فلنكن لها أهلًا.