> "الأيام" العرب اللندنية:

​أطلق الجيش الإسرائيلي حسابات تركية على مواقع التواصل الاجتماعي إكس وتلغرام معلنا أن الهدف من هذه الخطوة هو تقديم “تحديثات موثوقة وفورية” حول التطورات العسكرية في المنطقة، مما أثار انتقادات واسعة وسط تصاعد الغضب التركي بسبب الحرب على غزة، في امتدادا لتجربة أفيخاي أدرعي الذي يثير استفزاز الجمهور العربي ورغم ذلك يحظى بمتابعة واسعة.

وأدرعي هو مثال بارز لتجسيد إستراتيجية الهاسبارا، فدوره كمتحدث عربي باسم الجيش الإسرائيلي، وحلقة الوصل مع العالم العربي، يمثّل نموذجا لنوع المتحدث الرسمي الذي ينسق معه منتدى الدعاية الوطنية لنشر رسائل إسرائيل.

والمتحدث الجديد باسم الجيش باللغة التركية آرييه شاليكار هو الآخر يمارس نفس المهمة، وأثار استفزازا للجمهور منذ لحظة الإعلان عن الحساب الجديد الذي يديره خصوصا بعد الكشف عن ماضيه وتورطه سابقا في الجريمة المنظمة. وشاليكار هو يهودي من أصول فارسية وُلد في ألمانيا وعمل متحدثا باسم الجيش الإسرائيلي سابقا، وقد أثارت خلفيته اهتماما متجددا، خاصة مع تصاعد الجدل حول دوافع إسرائيل من هذه الخطوة.

وبحسب تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نشر عام 2013، فإن شاليكار هو “عضو عصابة سابق”، حيث أسس عصابة “برلين كرايم” للجرافيتي وأخفى دراسته عن أعضاء العصابة. وفي مقابلة سابقة، أقر بأنه كان جزءا من عالم الجريمة، قائلا “تورطت في الجريمة وانضممت إلى حياة العصابات، فعلت كل ما تفعله العصابات.” وتم الإعلان عن تعيين شاليكار كمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في الصحيفة تحت عنوان “عضو عصابة سابق يتحدث باسم الجيش الإسرائيلي”.

وفي أول مقطع فيديو منشور على الحساب في إكس، الذي يحمل اسم “IDF Türkçe” ظهر شاليكار وهو يتكلم اللغة التركية “مرحبا، تركيا. أهلا بكم في الحساب الرسمي للجيش الإسرائيلي على منصة إكس. سنستخدم هذه المنصة لنقل التطورات في المنطقة بشكل موثوق وفوري. تابعونا.” كما تضمنت صورة الغلاف للحساب مشهدا لجنود إسرائيليين يؤدون التحية أمام العلمين التركي والإسرائيلي، في محاولة واضحة لاستمالة الجمهور التركي.

وتمثل الخطوة توجها إسرائيليا لتوسع الجيش في الإعلام الناطق بالتركية، ما أثار موجة من الانتقادات، وتساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي عن الدوافع الحقيقية لهذا الاهتمام بالتوجه إلى الأتراك، خاصة في ظل تصاعد الغضب الشعبي في تركيا إزاء الحرب على غزة.

مع إطلاق هذه المنصات الجديدة، سيقوم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بتشغيل حسابات بسبع لغات: العبرية، الإنجليزية، العربية، الفرنسية، الإسبانية، الفارسية، والتركية. واعتبر متابعون أن إسرائيل تسعى من خلال حساباتها التركية إلى تحسين صورتها أمام الجمهور التركي، أو اختراق الرأي العام المعارض لها.

ورأى البعض أن إسرائيل تستغل التجربة الناجحة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أدرعي، حيث يثير استفزاز العديد من رواد مواقع التواصل العرب، ويدفعهم إلى التفاعل مع منشوراته وإن بطريقة سلبية حيث يتعمد المغالاة في تصريحاته الاستفزازية، خاصة عن الحرب الإسرائيلية في غزة. ويقول خبراء إن الجدل الذي يحدثه أدرعي بشكل يومي تقريبا، يأتي ضمن رسائل محكمة وموجهة لهندسة الوعي العربي بما يخدم الرؤية الإسرائيلية، فضلا عن تجاوز حاجز المقاطعة الإعلامية التي تفرضها وسائل إعلام عربية تقليدية على الإعلاميين الإسرائيليين.

ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة للمتحدث بالتركية شاليكار، إذ إن الكثير من الأتراك يتعاطفون مع الفلسطينيين في غزة ما يمكن اعتباره مدخلا لإثارة انتباههم وتفاعلهم حتى لو عن طريق الشتم أو السب الذي يزيد من الانتشار في العالم الافتراضي.

كما أطلقت إسرائيل حسابات موجهة للإيرانيين باللغة الفارسية. ويشغل الرائد كمال بنهاسي (62 عاما) وهو من مواليد إيران، منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام الفارسية منذ بداية حرب “السيوف الحديدية”. يقوم الرائد كمال بتحميل مقاطع فيديو موجهة للشعب الإيراني، باللغة الفارسية الأصلية، ويقدم له الحقيقة وراء مغامرات الشرطة الإيرانية في بناء المحور الشيعي وتسليحه، وكل ذلك بأموال الضرائب الخاصة به.

في مقاطع الفيديو يكشف الرائد كمال للإيرانيين كيف قام نظامهم بتمويل منظمات إرهابية بمليارات الدولارات من أموال ضرائب الشعب الإيراني. وفي الوقت نفسه قام بتحميل مقاطع فيديو يكشف فيها معلومات حاول النظام الإيراني إخفاءها. يكتسب المشروع الدعائي نجاحا، ويكتسب اللواء كمال بنهاسي شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، خاصة بين الشباب.

وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن المرشد الإيراني علي خامنئي أمر في وقت سابق مجموعة من المتسللين، باقتحام حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للرائد كمال بنهاسي، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في العمل. وكثيرا ما انشغل متابعون عرب بمقاطع مصورة نشرها أدرعي على منصتي فيسبوك وإكس وتصدر محرك البحث على منصة إكس، وحظي بتفاعلات كبيرة شاجبة ومنددة خصوصا من المتابعين العرب. وتأتي معظم ردود التفاعلية على المقاطع المصورة بـ”الشتائم أو تعليقات محرضة على مقاطعته”. ما أثار تساؤلات حول كيفية التعامل مع المسؤولين الإسرائيليين، وهل يكون بالمتابعة لتفنيد مزاعمهم، أم بالتجاهل والمقاطعة؟

وتتضمن مقاطع أدرعي عادة تصريحات استفزازية معدة بإحكام تستثير المشاعر وتدفع المتابعين إلى التعليق بالشتائم والسباب لتفريغ طاقة الغضب لدى المتابعين العرب. ويفسر مختصون الخطوة الإسرائيلية بأنها تهدف إلى استخدام سيكولوجية الجماهير، فالمواطن العربي أو التركي أو الإيراني حين يرى عددا كبيرا من المعلقين يشارك هو الآخر ولا يضع في اعتباره أن هذا المنشور له وظيفة.

ويسعى المتحدثون الإسرائيليون للانتشار عن طريق المشاركة في الموضوعات الرائجة أو صناعة الترند. وتستفيد إسرائيل من الشبكات الاجتماعية في تجاوز حاجز المقاطعة الإعلامية التي تفرضها وسائل الإعلام العربية التقليدية على الإعلاميين الإسرائيليين، فأدرعي يصل إلى العالم العربي ويتفاعل معه المئات أو الآلاف من الجمهور بشكل يزيد من انتشاره، ويستهدف أيضا تسريب السردية الإسرائيلية وتشكيك المتابعين العرب في المؤسسات الحاكمة، فضلا عن العمل على تشكيك المواطن العربي في عدالة قضيته، ويصل الأمر إلى وصف العرب بالتطرف والداعشية.

بحسب مقال سابق نُشر في صحيفة “هآرتس”، تخطط الحكومة الإسرائيلية لإنفاق 100 مليون شيكل (31 مليون دولار) لإعادة إطلاق مشروع تحت اسم “كونسرت” الذي عُرف في البداية باسم “مقلاع سليمان”. والغرض من هذا المشروع هو تعزيز التصور الإيجابي للبلاد، ومحاربة خطاب نزع الشرعية على الشبكات الاجتماعية، وفي وسائل الإعلام العالمية في غضون 4 سنوات.

ويذكر المقال أيضا أنه جنبا إلى جنب مع الاستثمار الخاص، من المتوقع أن تصل ميزانية المبادرة إلى 200 مليون شيكل بحلول عام 2025. وعلاوة على ذلك، يشرح المقال كيف تم إطلاق مشروع باسم “كونسرت” لتوفير استجابة موجهة نحو الدعاية وتوليد مشاعر إيجابية تجاه إسرائيل على منصات مثل فيسبوك وإكس وإنستغرام، وغيرها من الشبكات الاجتماعية، حيث يشارك المستخدمون في مناقشات سياسية.