​عندما ننظر في المرآة، فإننا لا نرى صورة مختلفة عنا، بل انعكاسًا دقيقًا لما نحن عليه. وكذلك هو الوطن، انعكاس لأهله، لأخلاقهم، لسلوكهم، لثقافتهم، ولطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض. فإن صلُح الفرد، انعكس ذلك على المجتمع، وإن فسد، كان الوطن صورة مشوهة لمعاناة لا تنتهي.

بناء اليمن يبدأ من الإنسان..
اليمن، هذه الأرض العريقة التي زخرت بالحضارات، كانت يومًا منارةً للعالم، أرضًا للتسامح والتعايش والعزة. لكن ما الذي حدث حتى تبدلت الصورة؟ كيف صار هذا الوطن المشرق يغرق في الفوضى والصراعات؟
إن المشكلة الحقيقية لم تكن في الجغرافيا، ولا في الموارد، ولا حتى في التحديات اليومية بكل تشابكاتها، بل في الإنسان ذاته. فالإنسان هو الذي يصنع الوطن، وهو الذي يهدمه. وإذا أردنا لليمن أن يعود كما كان، فعلينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا، بغرس القيم التي تصنع مجتمعًا متماسكًا، عادلًا، محبًا للسلام، في أنفسنا وأطفالنا.

إعادة بناء الإنسان هو ذاته إعادة بناء اليمن..
يُحكى أن أبًا كان يقرأ الجريدة، لكن ابنه الصغير لم يتوقف عن مضايقته. وحين ضاق الأب ذرعًا، مزّق ورقة تحمل خريطة العالم وطلب من ابنه أن يعيد تجميعها. وبعد فترة قصيرة، عاد الطفل وقد أعاد ترتيب الخريطة. وحين سأله الأب كيف فعل ذلك بهذه السرعة، قال الطفل: "كان على الوجه الآخر صورة إنسان، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم أيضًا."
وهكذا هو اليمن. لا يمكننا أن نعيد بناءه ونحن نتجاهل جوهر المشكلة، وهو الإنسان. فلا يمكن أن يسود السلام ما دمنا لا نحمله في قلوبنا، ولا يمكن أن ننتظر العدالة إن كنا لا نمارسها في حياتنا اليومية، ولا يمكن أن نحلم بيمن جديد ونحن لا نسعى لنكون أفرادًا مختلفين، أكثر وعيًا وتسامحًا.

إذاً كيف نصلح الصورة..
اليمن بحاجة إلى جيل يعيد ترتيب الصورة، إلى أفراد يدركون أن التغيير لا يأتي من الخارج، بل يبدأ من الداخل. إن الوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالأفعال، بالاحترام المتبادل، بالتسامح، بالصدق في العمل، بالإخلاص في النوايا.
حين يتصالح اليمني مع أخيه، حين يدرك أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن الحوار أقوى من الرصاص، وتتعزز مكانة المرأة في بيتها وفي المجتمع حينها فقط، ستبدأ صورة اليمن في المرآة بالتغير.

اليمن أمانة في أيدينا..
نحن من يرسم ملامح هذا الوطن، فإن أردناه جميلًا، مزدهرًا، قويًّا، فعلينا أن نصبح أفرادًا يحملون هذه الصفات. لا يكفي أن نلقي باللوم على الظروف، ولا أن ننتظر معجزة تغير الواقع. التغيير يبدأ بنا، بنا وحدنا.
فلننظر إلى مرآة الوطن، ولنتساءل بصدق: هل تعكس ما نريد أن نكونه؟ وإن لم تكن كذلك، فلنصلح الصورة، لأن الوطن يستحق، واليمن لن ينهض إلا بأيدي أبنائه.
ودمتم بخير.