يشهد الجنوب العربي صراعًا طويل الأمد من أجل استعادة استقلاله عن اليمن، حيث يسعى قادة شعب الجنوب إلى حسم أمرهم وتحقيق أهدافهم السياسية التي طال انتظارها، لكن في خضم هذا الصراع يواجه هؤلاء القادة تحديات كبيرة، ليس فقط بسبب التعقيدات السياسية والعسكرية، بل أيضًا بسبب نزعة السعي لتوفير الظروف المناسبة كما يقولون من أجل اتخاذ القرارات المصيرية.
هذه السعي الذي يتجلى في انتظار الظروف المثالية لإحداث التغيير قد يصبح عائقًا رئيسيًا أمام التقدم في المشروع الوطني الجنوبي، إذ إن هذه الظروف المثالية نادرًا ما تتحقق، مما يؤدي إلى تأجيل القرارات الحاسمة أو حتى تعطيلها بالكامل.
انتظار قادة الجنوب توفر ظروف مثالية (مثل الدعم الدُّوَليّ الكامل، أو الاستقرار الداخلي التام، أو انهيار الحكومة الشرعية) حتى يتم اتخاذ خطوات جريئة نحو الاستقلال رهان خطر جدا، لأن الواقع السياسي المعقد في الصراع مع اليمن يثبت أن هذه الظروف المثالية لن تأتي أبدًا.
ففي ظل استمرار الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، يصبح الانتظار بمثابة ترف لا يستطيع شعب الجنوب تحمله، وهذا التردد يؤدي إلى تأجيل القرارات المصيرية الحاسمة، مما يمنح الأطراف اليمنية المعادية لاستقلال الجنوب تجدها فرصة لتعزيز مواقعها ويطيل أمد معاناة الشعب الجنوبي.
في المقابل، يظهر التاريخ أن القادة الناجحين هم أولئك الذين اتخذوا قراراتهم بناءً على القدرات والظروف المتاحة، حتى لو كانت في حدها الأدنى ففي كثيرات من الثورات لم ينتظر قادتها توفر كل الظروف المثالية للتحرك نحو التغيير؛ بل استغلوا الفرص المتاحة وحسموا أمرهم في الوقت المناسب، مما قاد إلى تحقيق النصر.
في 1991، استغلت إستونيا انهيار الاتحاد السوفيتي وأعلنت استقلالها رغم المعارضة الشديدة من موسكو، اعتمدت القيادة الإستونية على الدعم الدبلوماسي الإقليمي والدولي المحدود لتعزيز موقفها وفرض الأمر الواقع.
في 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا مع أنّ المعارضة كانت شديدة من بلغراد والأمم المتحدة، واستطاعت القيادة الكوسوفية استغلال الانقسام الدولي وحصولها على الاعتراف من عدد من الدول الغربية الرئيسة لتحقيق أهدافها.
هذا النهج يظهر حقيقة أساسية وهي عدم التردد في اتخاذ القرارات التي غالبًا ما تتغلب على اكتمال الشروط المفترضة في عقولهم، ففي سياق الاستقلال الوطني، نجد أن العديد من الدول حققت سيادتها في ظروف غير مثالية، لكن قادتها أدركوا أهمية التحرك السريع بدلاً من الانتظار الطويل.
بالنسبة لقادة الجنوب، هناك فرص أتيحت ولا زالت متاحة يمكن استغلالها لتحقيق الاستقلال، حتى لو لم تكن الظروف مثالية، فالدعم الدولي الجزئي من بعض الدول الإقليمية أو الكبرى، أو التحالفات المحلية مع القوى الجنوبية، أو الضغوط الاقتصادية والسياسية على الحكومة الشرعية، كلها أدوات يمكن استخدامها بفعالية إذا تم التحرك بسرعة وحكمة.
إن التأخير في اتخاذ القرارات الحاسمة يعني فقدان هذه الفرص كما حصل في فرص عدة، وبذلك يتم تعطيل مسار التغيير الذي يتطلع إليه شعب الجنوب.