​في طفولتنا، تعلّمنا أن الجدران لا تنهار دفعةً واحدة، بل تبدأ من شرخٍ صغير، أو حجرٍ يسقط بصمت، بينما ينظر الباقون بعيدًا، ظنًا أن الجدار ما زال صامدًا.

لكن الحقيقة أن الجدار حين يفقد أول حجر، يبدأ العدّ التنازلي لانهياره.
هكذا هو حال الأوطان، وهكذا كان حال اليمن.

ترعرعنا في هذه الأرض على فطرة التنوع؛ فيها المسلم والمسيحي، والزيدي والشافعي، واليهودي والبهائي، والقبلي والحضري، والجنوب والشمال، والأبيض والأسمر كأنها فسيفساء إلهية لا تُشبه سواها.
وكان يمكن لهذا التنوع أن يكون سرّ القوة، لولا أن بدأت الأيدي تفرّق بين حجرٍ وحجر.

في البداية، سُمح بسقوط أول حجر، إذ تمّ النيل من فئةٍ صغيرة، فأُقصيت، ونُكّلت، وقِيل "يقولون دينهم غير ".
ثم جاء الدور على الأخرى، وهكذا، تساقطت الأحجار واحدًا تلو الآخر، حتى بدأ السقف يتهدّد رؤوس الجميع.

لم يبدأ الأمر بالبهائيين، ولا بالمسيحيين، ولا باليهود ولا بالمهمشين .. أو أي طيفٍ آخر. بل بدأ حين صمتنا عن الظلم الأول، حين قبلنا أن يُكسر حجرٌ من الجدار لأننا لم نكن نحن.
والآن، كلّ شرائح المجتمع تدفع الثمن. الضيق في الرأي، المصادرة في الحرية، الاعتقال، النفي، التخوين، كلها لم تعد تفرّق بين طيف و آخر، ولا بين فردٍ وفرد. لقد وصل التهديد إلى كل بيت.

إنّ اليمن لن تعود سعيدةً إلا إذا أعدنا بناء الجدار بالحجارة التي أسقطناها نحن، بالحماية المتبادلة، بالاعتراف بحقّ كل إنسان في أن يكون كما هو، وبالوعي أن سقوط حجرٍ واحد هو تهديد للجميع.

لا أحد ينجو وحده..!!
ولا أحد يملك الحق في تقرير من ينتمي للوطن ومن لا ينتمي.
نحن جميعًا هذا الجدار، وكلما أسندنا بعضنا، بقي واقفًا.
فلنرفض أن يسقط حجرٌ آخر.
ولنبنِ من جديد، على أساس: التسامح، التعايش، والعدل.
فلا عزّة لوطنٍ يُقصي أبناءه، ولا بقاء لجدارٍ يُترك يتهاوى بصمت.
ودمتم سالمين