في زحمة الأيام، وبين تقلبات السياسة وأحلام الصحافة، تبقى صحيفة "الأيام" العدنية علامة فارقة في تاريخ الصحافة الجنوبية، وصوتًا حرًا لم ينحنِ للرياح العاتية. كيف لا، وهي التي احتضنت عمالقة الكلمة، وأيقونات الرأي، وكانت ومازالت منبرًا لا يساوم ولا يهادن؟

حين تذكر "الأيام"، فأنت تتحدث عن مرحلة ذهبية للصحافة، عن قلم لا يهاب، وحرف لا يعرف الخنوع، عن مدرسة متكاملة تخرّج منها جيل من الكتّاب والصحفيين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الحقيقة في زمن كان فيه الصدق تهمة، والرأي الحر جريمة.

لم تكن "الأيام" مجرد جريدة، بل كانت مؤسسة إعلامية متكاملة، توثّق الحدث، تصنع الرأي، وتضع النقاط على الحروف عندما يتلعثم الآخرون.

صحيفة على رأسها كان الرمز الخالد هشام باشراحيل "رحمه الله" الرجل الذي لم يكن مجرد ناشر، بل كان مقاتلًا في معركة الكلمة، يدافع عن الصحيفة كما يدافع الجندي عن خندقه الأخير.

أنها "الأيام" عرين الصحافة، حيث تصاغ المواقف.

في مكاتب "الأيام"، لم تكن الصحافة مجرد مهنة، بل كانت رسالة، وكان لكل صحفي فيها قصته الخاصة مع الحروف والنضال.

لم يكن يومًا عاديًا ذاك الذي يجتمع فيه الصحفيون حول طاولة التحرير، تتطاير بينهم أوراق المقالات، وتتعالى أصوات النقاش، في مشهد يعكس نبض الشارع الجنوبي بكل تفاصيله.

وفي مواقف لا تُنسى، وأقلام لا تموت

لا ننسى أن الذين صنعوا مجد "الأيام"، لم يكونوا مجرد محررين عابرين، بل كانوا قامات صحفية تحمل بين ضلوعها همَّ الحقيقة. مواقفهم شاهدة على مرحلة لم تكن سهلة، بل كانت حبلى بالتحديات والمواجهات.

تتذكرهم الصحيفة في صفحاتها كما تتذكرهم ذاكرة القُراء، لكن تحاشيًا لأن يَسقط اسم أحدهم سهوًا، نكتفي بالإشارة إليهم جميعًا كجيلٍ من الرواد، لا يُمكن اختصارهم في قائمة، ولا يمكن حصر أفضالهم في مقال.

هؤلاء الذين صنعوا "الأيام" هم من إذا ذكرت أحدهم، تذكرت "الأيام"، وإذا قيل "الأيام"، تداعى إلى الأذهان مجدهم الخالد، وجهودهم التي لا تُنسى.

كم من مقال كان شرارة لمعركة؟ وكم من تحقيق صحفي كشف المستور وهزّ كراسي الفساد؟ كانت "الأيام" تمارس الصحافة كما يجب أن تكون: مستقلة، صادقة، بلا تملق ولا حسابات ضيقة.



الأيام ذاكرة لا تموت

اليوم، وبعد أن تغيرت الظروف وتشعبت المسارات، تبقى "الأيام" في وجدان كل جنوبي، ليست فقط صحيفة، بل ذاكرة ناطقة بتاريخ عدن والجنوب، وصرحًا إعلاميًا عصيًّا على النسيان.

ورغم كل ما واجهته، لم تمت "الأيام"، ولم تُمحَ سطورها من ذاكرة الصحافة. فالمؤسسات الصحفية قد تُحارب، وقد تُغلق، لكنها لا تموت طالما أن هناك من يتذكرها، وطالما أن حبرها ما زال يجري في عروق الصحفيين الذين تعلموا فيها أبجدية الكلمة الحرة.

وتبقى "الأيام" كما كانت دائمًا، اسما تتداوله الأيام جيلًا بعد جيل، ورمزًا خالدًا لا تمحوه العواصف، ولا تُنسيه التحولات، بل يزداد رسوخًا في ذاكرة كل جنوبي، كمدرسةٍ صحفية حملت لواء الحقيقة، وظلت تُقاوم حتى آخر كلمة، وآخر نقطة حبر.. وخواتيم مباركة.