> أحمد الأغبري:
قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء، إن القصف في اليمن سيستمر تنفيذه لوقت طويل، وهو قول يحتاج لإمعان في قراءته في سياق الإجابة على سؤال بل سؤالين: كيف عرف ترامب أن القصف سيستمر لوقت طويل؟ وماذا يعني استمراره لوقت طويل؟
معرفة ترامب ووزير دفاعه ومستشاريه أن القصف في اليمن ستطول مدته تقود إلى افتراض أن الإدارة الأمريكية تعرف أن مهمتها في اليمن ضد الحوثيين ليست يسيرة، انطلاقًا من العجز الاستخباراتي، وما يعانونه من فقر معلوماتي؛ وإلا لكان القصف قد حقق ما حققته إسرائيل في عملياتها التي استهدفت من خلالها قدرات وقيادات حزب الله اللبناني، فعلام يراهن ترامب؟ هل يراهن على الحرب النفسية والإعلامية الموازية لقصف طائراته في اليمن؟ وهذه الحرب الموازية نقرأها يوميًا في السيل الجرار من التصريحات الأمريكية، وهذه التصريحات قد يتم قراءتها بشكل آخر باعتبارها تغطية لعدم تحقق أي شيء جوهري على الأرض جراء الغارات المتواترة يوميًا.
معرفة ترامب أن مدة حربه في اليمن ستطول قد تقودنا إلى التوقف أمام فرضية هامة جدًا؛ وهي أنه لا يراهن على جدوى القصف، بقدر ما يراهن على ترهيب الحوثيين بما يدفعهم في مرحلة من المراحل إلى اللجوء إلى التسليم باشتراطاته، وإلى التخلي عن قدراتهم التي يستهدفون، من خلالها حسب الإدارة الأمريكية، الملاحة الدولية، كما سبق وأعلن عنه ترامب، انطلاقًا من اعتبار مفاده أن واشنطن تولي أهمية لهيبتها وسيطرتها على البحار، التي تجرأ عليها الحوثيون حتى تمكنوا من التحكم بمجرى مائي، يقع في نطاق تحكم أمريكي (القيادة المركزية الوسطى)، هذا في حال تجاوزنا أن القصف الأمريكي على اليمن لا علاقة له بحماية إسرائيل؛ لكن تحكم الحوثيين في مجرى مائي كالبحر الأحمر كان أبرز الخاسرين منه تل أبيب، وهذا لا يحتاج إلى اثباتات؛ وبالتالي وتجاوزًا لعلاقة إسرائيل بالقصف الأمريكي في اليمن؛ فإن التصريح الأمريكي ذي العلاقة بطول مدة القصف في اليمن يرجع إلى أن القرار الأمريكي في هذا القصف لا يستند إلى معرفة ووفرة معلوماتية، ويراهن على تراجع الحوثيين سواء تحت وقع حربه النفسية أو تحت وقع تواتر الغارات الجوية اليومية.
الجولة الثانية من القصف الأمريكي تستند إلى قرار ترامب الذي يراهن كثيرًا على القوة؛ وربما القوة بالنسبة له هنا تكون عمياء، أي لا تستند إلى رؤية واضحة في الغالب كما سبقت الإشارة، وإلا لكانت غاراته الجوية قد حققت نتائج ملموسة بعد أكثر من 160 غارة حتى الجمعة خلال جولته التي بدأت في 15 مارس؛ وأول مؤشر على فشل جولته، حتى الآن، هو عدم توقف القصف الصاروخي للحوثيين سواء التي تستهدف السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، وفي مقدمتها حاملة الطائرات، أو إطلاق الصواريخ إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تتموضع إسرائيل.
قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال أعده بيتر إيفيس وإسماعيل نعار حول فضيحة محادثة سيغنال بين مسؤولين من إدارة ترامب: «لكن رغم الضربات الجوية اليومية التي يشنها الجيش الأمريكي ضد أهداف حوثية، لم يقدم البنتاغون تفاصيل حول الهجمات منذ 17 مارس، عندما أعلن عن ضرب أكثر من 30 هدفاً حوثياً في اليوم الأول. وذكر مسؤولون يمنيون أن هذه الضربات أصابت مناطق سكنية ومبان في صنعاء، العاصمة، ما أسفر عن عدد غير معروف من الضحايا المدنيين».
ووفق وزارة الصحة في حكومة الحوثيين فقد أدت هذه الغارات حتى الخميس الماضي «إلى استشهاد 57 شخصا وإصابة 121 آخرين، بينهم نساء وأطفال».
لكن؛ ماذا يعني استمرار القصف الأمريكي في اليمن لفترة طويلة؟
لا يمكن بأي حال أن تسمح أمريكا بإطالة أمد القصف في اليمن، لاسيما في ظل تنامي المعارضة داخل الحزب الجمهوري نفسه لهذه الحرب، وهو ما أكده عدد من أعضاء الكونغرس أمثال مارجوري تايلور غرين، المقربة لترامب، والتي قالت في «تدوينة»: «لم أسمع أمريكيًا واحدًا يقول إنه يريد حربًا أخرى في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر. ولا واحد». وأضافت: «كل ما سمعته هو صرخة مدوية تطالب حكومتنا وقادتها بوضع أمريكا أولًا! أنا لا أؤيد خوض حرب نيابةً عن دول أخرى» وفي جملتها الأخيرة تلميح يشير إلى أن القصف الأمريكي على اليمن من أجل إسرائيل.
ويطالب أعضاء آخرون في الكونغرس بضرورة حصول ترامب على تفويض من الكونغرس لخوض هذه الحرب.
كما أن ثمة أولويات لواشنطن؛ ممثلة في الصين وروسيا وحملات الرسوم الجمركية، التي أضافت أعباء سياسية جديدة للإدارة الأمريكية؛ فمن غير المعقول أن تفرّغ واشنطن كل طاقتها لليمن باعتبارها أولوية مقدّمة على أولوياتها الاستراتيجية، وهنا قد تضطر واشنطن في غمرة استمرار عجزها عن تحقيق نتائج تمنحها تحقيق الأهداف التي بالغ ترامب في الإعلان عنها، وهو القضاء التام على الحوثيين، إلى اللجوء إلى اتباع سياسة إسرائيل في قطاع غزة، وهي ارتكاب المجازر في سياق الضغط على الحركة للقبول باشتراطات واشنطن؛ أي أن القصف الأمريكي قد يتمدد ويشمل في خريطته أحياء سكنية لدفع الناس للانتفاضة الشعبية؛ وهنا يتجاهل ترامب أن لليمنيين في الحروب عقدة شديدة الحساسية من الخارج. كما أن الحوثيين منذ أكثر من عام ينفذون حملة تعبئة منظمة استعدادًا لمعركة برية متوقعة ضدهم. ووفق ما أعلن عنه زعيم الحركة فإن حملة التعبئة قد شملت أكثر من سبعمئة ألف متدرب؛ وقبل ذلك هل نجحت حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة في القضاء على حركة حماس؟
نخلص إلى أن القصف الأمريكي في العمق اليمني لن يحقق أي نتائج كما تحقق لإسرائيل ضد حزب الله، وهنا قد لا نتجاوز فرضية أن اليمن مقبل على أيام عصيبة في حال خرج القصف الأمريكي عن السيطرة؛ لأن هذا القصف لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وسيحرص ترامب على حسمه سريعًا مع استمرار القصف من دون نتائج حقيقية؛ لكن في حال قرر الحسم فستكون كلفته باهظة أمريكيًا قبل أن تكون يمنيا، وفي الأخير لن يتحقق الحسم وبنسبة كبيرة لعوامل متعلقة بالحوثيين والجغرافيا والثقافة اليمنية؛ الأمر الذي قد يدفع بالقرار الأمريكي إلى اتخاذ مسار ثالث، وهو التوقف عن القصف في اليمن وغزة.
"القدس العربي"