> "الأيام" غرفة الأخبار:

تعيش الساحة اليمنية حالة من الترقب المشوب بالحذر مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية بين جماعة الحوثي من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، في ظل مؤشرات على تحضيرات عسكرية لاستئناف العمليات القتالية بعد هدنة استمرت أكثر من عامين. الجماعة أطلقت تحذيرات شديدة اللهجة، محذرة من عودة الحرب، ومتوعدة بـ"رد قاسٍ ومؤلم" إذا ما شنت القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا أي هجوم باتجاه مدينة الحديدة الساحلية أو غيرها من الجبهات. تلك التحذيرات ترافقت مع تصاعد الخطاب الإعلامي والتعبوي من الطرفين، في ظل تسريبات عن دعم عسكري تقدمه السعودية والإمارات لخطة جديدة تهدف إلى استعادة مناطق استراتيجية من قبضة الحوثيين، ما ينذر بعودة وشيكة للمعارك على نطاق واسع.

جماعة الحوثي تعتبر هذه التحركات جزءًا من "عدوان ثلاثي" تشارك فيه السعودية والإمارات والولايات المتحدة، حيث ترى أن الدعم الأمريكي يشمل المعلومات الاستخباراتية والتسهيلات اللوجستية، رغم عدم إعلان واشنطن عن أي دور مباشر. وفي المقابل، تنفي السعودية والإمارات وجود تحركات عسكرية من هذا النوع، وتصف التقارير التي تتحدث عن "خطة هجوم ثلاثية" بأنها غير دقيقة وتفتقر إلى المصداقية. غير أن مصادر متعددة تشير إلى أن القوات اليمنية الموالية للحكومة بدأت بالفعل بحشد قواتها في محيط مأرب وتعز، استعدادًا لعملية عسكرية مرتقبة، يُتوقع أن تبدأ من الحديدة أو الجبهات المحاذية لها، بدعم من التحالف الخليجي.

الحديدة، بما تمثله من موقع استراتيجي يطل على البحر الأحمر، تظل نقطة التماس الأهم في الصراع اليمني. السيطرة عليها تعني التحكم في أحد أهم موانئ البلاد، وتعد بوابة حيوية للمساعدات الإنسانية والتجارة. الحوثيون يعتبرون أي هجوم عليها إعلان حرب صريح، ويربطون ذلك بتصعيد إقليمي أوسع، خصوصًا في ظل استمرار الحرب في غزة والتوتر في مضيق باب المندب. الجماعة تربط التصعيد المحتمل في اليمن بما يجري في الإقليم، خاصة العدوان الإسرائيلي على غزة، وتُحذر من أن أي مشاركة سعودية أو إماراتية في الهجوم ستكون بمثابة دعم غير مباشر لإسرائيل، وهو ما سيُقابل برد عسكري لن يقتصر على الداخل اليمني فقط، بل سيمتد إلى أهداف في عمق الأراضي السعودية والإماراتية، وربما إلى مصالح أمريكية أيضًا.

وفي خضم هذه التهديدات، تظهر حالة من التأهب القصوى في صفوف الحوثيين. الجماعة أعادت تموضع قواتها في الجبهات الساخنة، ورفعت من مستوى استعدادها الدفاعي، كما كثفت من برامجها التعبوية في مناطق سيطرتها، بالتوازي مع نشر تقارير إعلامية وصور تُظهر تدريبات مكثفة للمقاتلين. إلى جانب ذلك، أعلنت الجماعة امتلاكها قدرات عسكرية جديدة، من بينها صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة بعيدة المدى، تم تطويرها محليًا وفقًا لبياناتها، ما يعزز من قدرتها على شن هجمات مفاجئة خارج اليمن إذا اقتضى الأمر.

من جهة أخرى، يبدو أن حكومة عدن والتحالف الداعم لها يعولون على لحظة سياسية مواتية لاستعادة المبادرة العسكرية، في ظل انشغال الحوثيين بالحرب الإعلامية والدعائية المرتبطة بغزة، ووجود دعم دولي مستتر يهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في اليمن والمنطقة. تشير بعض المصادر إلى أن الخطة العسكرية تهدف إلى إحداث اختراق مفاجئ في خطوط الحوثيين، واستعادة السيطرة على الحديدة أو التقدم نحو العاصمة صنعاء، مستغلين حالة الجمود في العملية السياسية.

لكن في المقابل، فإن هذه التحركات قد تؤدي إلى تقويض الهدنة غير المعلنة التي سادت منذ أبريل 2022، وأتاحت فترة من الهدوء النسبي في أغلب الجبهات، خصوصًا بعد محادثات مسقط التي رعتها سلطنة عُمان، والتي شهدت تقدمًا طفيفًا في قضايا مثل الرواتب وفتح الطرق. هذا التصعيد يهدد بنسف كل ما تم التوصل إليه، ويعيد البلاد إلى نقطة الصفر، وسط مخاوف من أن يشهد اليمن جولة عنف أعنف من سابقاتها، خاصة في حال اتساع رقعة الاشتباك إلى جبهات لم تكن مشتعلة في الفترة الأخيرة.

التصعيد المحتمل لا يحمل فقط تبعات داخلية، بل يُنذر بانعكاسات إقليمية ودولية، خاصة فيما يتعلق بأمن الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وهو ملف بالغ الحساسية بالنسبة للمجتمع الدولي، خصوصًا بعد الهجمات الحوثية الأخيرة على السفن المرتبطة بإسرائيل. وإذا ما قررت الجماعة الرد عبر البحر، فإن ذلك قد يدفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى التدخل عسكريًا مجددًا، كما فعلت مطلع العام 2024 حين شنت ضربات جوية على مواقع للحوثيين.

في هذا السياق، تبقى السيناريوهات مفتوحة بين احتمالين: الأول هو التصعيد العسكري الواسع الذي سيُعيد البلاد إلى الحرب المفتوحة، ويفتح الباب أمام تداعيات إنسانية خطيرة، حيث يعيش ملايين اليمنيين في ظروف مأساوية أصلًا. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في إمكان العودة إلى طاولة التفاوض بدفع من أطراف إقليمية ودولية لا تزال تراهن على مسار التسوية السياسية، خصوصًا مع التقارب النسبي بين السعودية وإيران الذي تجلى في اتفاق بكين العام الماضي.

حتى الآن لا مؤشرات حقيقية على أن طرفًا ما مستعد لتقديم تنازلات تُمكن من وقف الانزلاق نحو الحرب. الحوثيون يراهنون على قوتهم العسكرية ومكاسبهم السياسية بعد الحرب على غزة، فيما يبدو أن الحكومة اليمنية والتحالف يرون في التحرك العسكري فرصة نادرة لاستعادة زمام المبادرة. وبين هذا وذاك، يظل المواطن اليمني هو الضحية الأكبر، وسط غموض في الرؤية وغياب لأي خارطة طريق واضحة تنقذ البلاد من حرب استنزاف طويلة لا يبدو أن نهايتها قريبة.