> واشنطن/صنعاء "الأيام" العرب اللندنية:

​كثّفت الولايات المتحدة حملتها على الحوثيين خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، مما أسفر عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين وكلّف دافعي الضرائب المليارات من الدولارات. ومع ذلك، فشل هذا الجهد إلى حد كبير في إضعاف الحوثيين، كما يدفع إلى التساؤل إن كان الهدف من سياسات ترامب في اليمن إسقاط الحوثيين أم مجرد إضعافهم.

وفيما يضغط ترامب عبر شن المزيد من الهجمات لا يتوقف الحوثيون عن استهداف الملاحة وفي نفس الوقت يواصلون إستراتيجية “إسناد غزة” بإطلاق الصواريخ على إسرائيل في حركة رمزية تظهر عدم تأثرهم بالهجمات الأميركية.

وأعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في بيان الأربعاء أن “القوة الصاروخية في القوات المسلحة اليمنية نفّذت عملية عسكرية نوعية استهدفت هدفا حيويا للعدو الصهيوني في منطقة حيفا المحتلة وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي.”

وأسفر الشهر الأول من حملة ترامب عن حوالي 150 قتيلا، وبدأ الشهر الثاني بالمزيد من إراقة الدماء. وأسفرت ضربة واسعة النطاق على ميناء رأس عيسى النفطي في 17 أبريل عن مقتل أكثر من 80 شخصا، تلتها ضربة أخرى على سوق صنعاء في 20 أبريل وخلفت 12 قتيلا على الأقل. ووصل عدد الضربات إلى 400 بحلول منتصف أبريل، مما كلّف دافعي الضرائب الأميركيين حوالي مليار دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تم إنفاقها على الذخيرة.

وكشف مساعدو الكونغرس عن نجاح محدود في تدمير ترسانة الحوثيين الواسعة تحت الأرض، على الرغم من حملة القصف التي تجاوزت بكثير ما اعترفت به وزارة الدفاع علنا.

وذكر الحوثيون الآن أنهم أسقطوا طائرة دون طيار رابعة من طراز إم كيو-9 خلال الأسابيع الأخيرة، تقدر قيمة كل منها بأكثر من 30 مليون دولار. كما أعرب مسؤولو البنتاغون عن قلقهم بشأن نقص الذخيرة في منطقة المحيط الهادئ بسبب الكميات الكبيرة التي تقرر إعادة توجيهها إلى الشرق الأوسط.

وأثارت هذه الحملة تكهنات حول احتمال تجدد الحرب البرية، حيث وصفت صحيفة “وول ستريت جورنال” فصائل مختلفة يمكن أن تستفيد من القصف الأميركي بأنها “ميليشيات”، رغم أنها في الواقع فصائل عسكرية تابعة للحكومة المعترف بها دوليا، تأمل في الحصول على دعم أميركي لشن هجوم جديد على ساحل البحر الأحمر للاستيلاء على الحديدة وهزيمة الحوثيين.

ولا يزال احتمال الدعم الأميركي غير مؤكد، حيث أوضح ترامب أن تركيزه منصب على حقوق الملاحة البحرية بدلا من حل الأزمة اليمنية.

ولا تبدو السلطات السعودية متحمسة لصراع أوسع نطاقا، لكنها حريصة على رؤية تقدّم في المفاوضات الإيرانية – الأميركية الحالية. وكانت هذه القضايا بالتأكيد جزءا من المناقشات خلال زيارة وزير الدفاع السعودي الأخيرة إلى طهران.

ويقول سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاغن عبر منصة إكس “عندما نحقّق هدفنا ونستعيد حرية الملاحة سنكون قد خلقنا ظروفا أفضل بكثير لتحقيق حل سياسي شامل في اليمن.”

وبالإضافة إلى صعوبة الحسم العسكري ضد الحوثيين ورغبة واشنطن في توجيه رسائل ضغط عليهم عبر عمليات القصف العنيف، توجد قضيتان هامتان هما تصنيف الحركة الحوثية منظمة إرهابية، وانقطاع المساعدات الإنسانية.

ويقول الكاتب هيلين لاكنر في تقرير لموقع عرب دايجست إن هاتين القضيتين تسببان معاناة إضافية كبيرة لليمنيين، بما في ذلك صعوبات تواجهها المنظمات الإنسانية غير الحكومية الدولية في تحويل الأموال، والتعقيدات التي تواجهها الشركات التي تستورد السلع الأساسية كالغذاء والإمدادات الطبية. وتُثير اضطرابات التحويلات المالية قلقا مباشرا للأسر اليمنية.

وتُعدّ هذه التحويلات المالية شريان حياة للملايين من اليمنيين، بدءا من تغطية جميع نفقات المعيشة وصولا إلى تلبية الاحتياجات البسيطة. وعزّزت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحرب أهمية هذه الأموال، حيث تصل إلى الأسر مباشرة، متجاوزة بذلك النفقات العامة التي تفرضها الحكومة والمؤسسات الدولية.

ويعيش معظم المغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث يقيم في الدولتين حوالي مليوني يمني. وبينما يعيش بعضهم مع عائلاتهم ويرسلون القليل من المال، فإن غالبيتهم من العمالة المؤقتة التي تحوّل معظم أرباحها عبر مكاتب صرافة غير رسمية.

ويوجد المزيد من اليمنيين في مصر والأردن وتركيا. وغالبا ما يختار أصحاب الدخل المحدود هذه الوجهات لأنها تناسب تكاليف معيشتهم وبفضل سياسات التأشيرات المتساهلة نسبيا. ويوجد حوالي 32 ألف يمني في الأردن، و40 ألفا في تركيا، وتتراوح التقديرات في مصر بين 100 ألف و700 ألف. ويضطر اليمنيون الذين يفتقرون إلى قنوات تحويل الأموال غير الرسمية إلى الاعتماد على المؤسسات المصرفية التي قد تصبح غير متاحة قريبا بسبب المخاوف من الإجراءات العقابية الأميركية المحتملة.

ويُقيم في الشمال العالمي حوالي 90 ألف يمني في الولايات المتحدة، إلى جانب جاليات أصغر في كندا وأستراليا، تتألف في معظمها من مهنيين مؤهلين تأهيلا عاليا. ويُقدر عدد اليمنيين في المملكة المتحدة بما يتراوح بين 70 ألفا و80 ألفا.

ومكّن تصنيف حركة الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية البنك المركزي اليمني في عدن من تجديد مطالبته للبنوك في صنعاء بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن. وعلى عكس ما حدث في 2024، عندما أُلغي توجيه مماثل بضغط سعودي، وافقت معظم البنوك على الامتثال هذه المرة. إلا أن العملية تتأخر بسبب ضغط الحوثيين والتحديات التقنية. وتتركز غالبية الأنشطة المصرفية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يوجد 70 في المئة من سكان اليمن وجلّ الشركات.

وسيستغرق ظهور آثار تصنيف حركة الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية بعض الوقت، إلا أن تبعات تعليق تمويل التنمية والمساعدات الإنسانية من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أصبحت محسوسة. وبحلول منتصف أبريل، لم تُؤمّن خطة الأمم المتحدة الإنسانية الشاملة سوى 8 في المئة من التمويل المطلوب، بينما لم يُحقّق برنامج الأغذية العالمي سوى 12 في المئة من احتياجاته، دون أيّ مساهمات من الولايات المتحدة.

ونتيجة لكل ما تقدم، تُفاقم سياسات ترامب تجاه اليمن تدهور الظروف المعيشية للسكان بشكل ممنهج، وتُعيق فرص حل الأزمة المستمرة التي دخلت عامها الحادي عشر.