"حين تصرخ الشعوب، تصمُّ الآذان التي لا تريد أن تسمع... ثم تفتح الأرض فمها".

في الجنوب... في عدن، لم تعد الهموم تكتب في مقالات وتنشر في صحيفة وينتهي الأمر. لم يعد الشارع الجنوبي يكتفي بأن يكون خبرًا عابرًا في نشرة أو مقالة في ركن الرأي، ثم يمضي بلا أثر.

الناس هنا يعيشون الألم كل لحظة: انقطاع الكهرباء صار عادةً لا تستفز أحدًا، تردي الخدمات مشهد يومي، تدهور العملة واقع قاهر، وانعدام الأمان صار لغة الشارع. في هذه اللحظات الثقيلة، لم تعد الوسائل التقليدية وحدها كافية لإيصال الرسائل. اليوم ، الجنوب يبعث برسائله بطرق شتى .. من مناشدات الأمهات في الأسواق، إلى صيحات الشباب في مواقع التواصل، إلى الكتابات الجدارية، إلى المواقف النقابية، إلى البيانات الشعبية المفتوحة، بل وحتى في همس القلوب في البيوت و الحارات. لم تعد الصحف وحدها تكفي. لم تعد اللقاءات المغلقة أو الكلمات الرسمية تغطي على هذا السيل الجارف من الوجع. المسؤول، أيًّا كان موقعه، بات يسمع الناس رغمًا عنه؛ وإن تجاهل، فإن صدى أصواتهم يرتدّ عليه في كل اجتماع، وكل مؤتمر، وكل وثيقة توقع بعيدًا عن إرادتهم. الجنوب اليوم لا يطلب المستحيل. الجنوب يطلب حقه: كرامة العيش، وسيادة الأرض، وعدالة الدولة التي يختارها هو لا التي تُفرض عليه، يطلب أن تتحول الوعود من حبر على الورق إلى أفعال تُلمس في الشارع، لا خطابات تُستهلك على المنصات.

نحن هنا — من عدن إلى الضالع، ومن حضرموت إلى لحج - نكتب رسائلنا بدموع الأمهات، بعرق العمال، بوجع العاطلين عن العمل، بآهات المرضى، وبصبر شعب عرف مرارة التهميش ولم ينكسر.

رسالتي، ورسالة كل جنوبي اليوم، واضحة: لا تتجاهلوا صوت الناس..لا تراهنوا على صمتهم الطويل.

ولا تعتقدوا أن تجاهل الوجع يصنع استقرارًا... إنما يؤجل الانفجار.

لقد تجاوز الجنوبيون مرحلة الانتظار السلبي، وهم اليوم يطرقون بقوة أبواب القرار، وكل تأخير في الاستجابة هو خطيئة سياسية لن تُغتفر بسهولة.

الجنوب، في رسائله المتجددة كل يوم، لا يكتب من فراغ، بل يكتب من قلب معاناةٍ إنسانية وسياسية لا يجوز لعاقل أن يغض الطرف عنها.