> هشام عطيري:

دعت اللجنة التحضيرية لتأسيس كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة لحج، في تقرير صادر عنها، إلى حشد كافة الجهود المخلصة والصادقة لإنجاز مشروع الكلية، الذي يحظى بتطلعات كبيرة من أبناء المحافظة، أو اتخاذ القرار الصريح والشجاع بتعليق العمل في المشروع، مع شرح أسبابه للرأي العام المحلي والجهات الرسمية وتأجيل التنفيذ إلى حين تهيئة الظروف المناسبة في المستقبل.

وأكدت اللجنة، في التقرير الذي رفعته إلى رئاسة الجامعة، أن مشروع تأسيس الكلية لم يكن نتيجة اندفاع عاطفي أو رغبات شخصية، بل جاء استجابة موضوعية وواقعية، تستهدف تطوير الجامعة وتعزيز قدراتها الأكاديمية بإضافة كلية طبية تُعد رافدًا نوعيًا للمنظومة التعليمية، أسوةً بتجربة تأسيس كلية العلوم الإدارية والمصرفية سابقًا.
  • فكرة المشروع منذ 2008
أوضحت اللجنة أن فكرة تأسيس كلية الطب والعلوم الصحية تعود إلى وثيقة البرنامج التأسيسي لجامعة لحج المقدمة للجهات الرسمية في عام 2008، والتي تطرقت صراحة إلى أهمية إنشاء هذه الكلية، باعتبارها من أولويات التوسع الأكاديمي. وفي هذا السياق، تفاعلت رئاسة الجامعة مع التوصيات، وأصدرت القرار رقم (81) لعام 2024م بتاريخ 15 يوليو، القاضي بتشكيل اللجنة التحضيرية برئاسة الدكتور محمد عوض سالم، نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، وعضوية 19 شخصية من أبرز الكوادر الأكاديمية والإدارية في جامعتي لحج وعدن.
  • بداية العمل ودعم السلطة المحلية
باشرت اللجنة التحضيرية عملها منذ لحظة صدور القرار، حيث عقدت أول اجتماع رسمي لها في 24 يوليو 2024، بمكتب السلطة المحلية في محافظة لحج، وبرعاية كريمة من محافظ المحافظة اللواء الركن أحمد عبد الله التركي، الذي ترأس الاجتماع الأول وأبدى دعمًا ملموسًا للجنة، وحثها على الإسراع في إنجاز مهامها.

وفي خطوة عملية، أصدر المحافظ قرارًا بتشكيل لجنة ميدانية مساعدة، مكونة من 11 عضوًا من أعضاء اللجنة الأساسية، للنزول إلى المواقع المقترحة لتكون مقرًا لكلية الطب. وقد نفذت اللجنة زيارات ميدانية مكثفة إلى مباني المعهد الصحي، وعاينت المرافق والقاعات والمختبرات والمكاتب الإدارية، بالتنسيق مع مدير عام مكتب الصحة ونائب رئيس اللجنة الدكتور خالد جابر.
  • تقرير فني واستلام رسمي
أسفرت تلك النزولات والمعاينات عن إعداد تقرير مفصل، مدعوم بالرسوم الهندسية والمخططات الفنية بالتعاون مع إدارة المشاريع بالجامعة. وبناءً عليه، تم توقيع محضر رسمي بالاستلام والتسليم للمباني الممنوحة من قبل السلطة المحلية لصالح جامعة لحج لتكون مقرات لكلية الطب.

وفي أعقاب ذلك، شرعت رئاسة الجامعة، بالتنسيق مع الأمانة العامة وإدارة المشاريع، بطرح مناقصة لأعمال الترميم والتأهيل، وتم تعليق لوحة تعريفية على بوابة المبنى الجديد باسم كلية الطب، في إشارة إلى إشهار الكلية أمام المجتمع المحلي.
  • التحديات المالية وتوقف الترميم
لكن، ولسوء الحظ، واجه المشروع تحديًا ماليًا كبيرًا، تمثل في امتناع وزارة المالية عن صرف مخصصات المستخلص الأول المعتمد لترميم مباني الكلية، نتيجة الأزمة الاقتصادية وتوقف صرف مرتبات الموظفين في عموم البلاد خلال الفترة الأخيرة. وهو ما دفع المقاول إلى التوقف عن أعمال الترميم، وتعثر إنجاز المرحلة الأساسية من المشروع، ما حال دون استقبال أول دفعة من طلاب وطالبات الكلية كما كان مخططًا.
  • لجنة المختبرات: دراسة جاهزة تنتظر التمويل
في إطار التجهيزات الفنية، تم تكليف المهندسين في إدارة المشاريع، تحت إشراف المهندس عماد أحمد فضيل، بإعداد دراسة أولية لتهيئة المختبرات الطبية وفق المواصفات العالمية. وتم فعليًا تنفيذ المرحلة الأولى من الإعداد، وإعداد جداول مفصلة بالأجهزة المطلوبة، ومصادر شرائها وتكلفتها التقديرية. إلا أن المرحلة ما تزال بحاجة إلى تمويل فعلي لشراء تلك الأجهزة وتجهيز المختبرات بالشكل المطلوب.

اللجنة الأكاديمية: خطط معلقة بانتظار التفعيل

وعلى المستوى الأكاديمي، ووفقًا لمخرجات الاجتماع الثالث للجنة التحضيرية المنعقد بتاريخ 5 أغسطس 2024، تم تشكيل لجنة أكاديمية مكونة من تسعة أكاديميين من جامعة لحج وثلاثة خبراء من كلية الطب بجامعة عدن، أوكلت إليها مهمة إعداد الخطط الدراسية والبرامج الأكاديمية للكلية.

وقد عقدت اللجنة الأكاديمية ثلاثة لقاءات عمل في كلية الصيدلة، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من تقديم نتائجها النهائية إلى اللجنة العليا، بسبب تحديات تنظيمية وتأخير في بعض المهام. وتعرب اللجنة التحضيرية عن أملها في أن تُذلل هذه العقبات في القريب العاجل.
  • فرص التأسيس ونقاط القوة
رغم التحديات، يؤكد التقرير توفر العديد من العوامل المشجعة لإنشاء الكلية، من أبرزها:

النقص الحاد في الكوادر الطبية المؤهلة في مديريات محافظة لحج.

حرمان طلاب المحافظة من فرص الالتحاق بكليات الطب في جامعة عدن.

الحاجة المجتمعية المتزايدة لخدمات طبية متخصصة، خصوصًا في المناطق النائية.

إمكانية تطوير قطاع الاستثمار الصحي في لحج من خلال وجود كلية طب.

تعزيز سمعة ومكانة الجامعة أكاديميًا ووطنيًا، إذ تُعد كلية الطب من كليات القمة.
  • أبرز التحديات ونقاط الضعف
بالمقابل، أشار التقرير إلى جملة من الصعوبات التي تعيق تنفيذ المشروع، ومنها:

العجز المالي الشديد الذي تعاني منه الجامعة نتيجة الوضع الاقتصادي العام.

ضعف تجاوب رجال الأعمال، لا سيما من أبناء المحافظة، مع دعم المشروع.

غياب الدعم الفاعل من بعض القيادات الوطنية والعسكرية المنتمية للمحافظة.

وجود عقليات تعيق المشروع من خلال أنانية شخصية أو رؤى قاصرة لا تدرك أبعاد المشروع وأهميته الاستراتيجية.

وفي ختام التقرير، خلصت اللجنة إلى تقديم مقترحين أمام الجهات المعنية، إما:

مواصلة الجهود وتكثيف التواصل والدعم من قبل الجامعة والسلطة المحلية وكل الجهات المعنية، لإعادة إحياء المشروع واستكمال تأسيس الكلية، تحقيقًا لطموحات أبناء المحافظة، أو اتخاذ القرار الواقعي والمسؤول بتعليق العمل في المشروع حاليًا، مع بيان أسبابه للرأي العام بشفافية، وتأجيل التنفيذ إلى حين تهيئة الظروف الموضوعية والمالية الملائمة مستقبلًا.