> يافع «الأيام» صالح لجوري:
كشفت وثيقة سرية تم توقيعها مؤخرًا في محافظة البيضاء اليمنية عن خطة خطيرة وضعتها ميليشيات الحوثي لاستدراج شخصيات قبلية من مختلف المناطق للمشاركة في هجوم على جبهة يافع جنوب البلاد.
الوثيقة التي أُبرمت في ظروف غير اعتيادية، أثارت موجة من الغضب والاستياء في أوساط القبائل، وسط تصعيد عسكري غير مسبوق على حدود يافع، انتهى بفشل ذريع للمليشيات وخسائر جسيمة في صفوفها.

- الوثيقة.. ميثاق قسري أم استعراض إخضاع؟
منذ مطلع الأسبوع قبل الماضي، شرعت ميليشيات الحوثي في استدعاء عدد من الشخصيات القبلية والعناصر التي سبق أن استمالتها على مدى السنوات الماضية، ضمن خطة جديدة تستهدف جبهة يافع. غير أن ما أثار الدهشة هو المكان الذي استدرجت فيه هذه الشخصيات؛ فبدلًا من استقبالهم في أحد معسكراتها أو مقراتها الرسمية، جمعتهم الميليشيات في أحد شوارع مدينة البيضاء، حيث قدمت لهم وثيقة معدّة مسبقًا وطلبت توقيعها تحت طائلة الترهيب والضغط.

بحسب وسائل إعلام حوثية، فإن الوثيقة حملت اسم "وثيقة الشرف" وتضمنت التزام القبائل بـ "محاربة أمريكا وإسرائيل والمرتزقة"، في إشارة مباشرة إلى جبهة يافع. إلا أن الشهادات المسربة من اللقاء كشفت عن صورة مختلفة، حيث وقع العديد من الشيوخ والوجهاء دون علم مسبق بكامل تفاصيل الوثيقة، وبشكل وُصف بأنه مهين لتقاليد القبائل اليمنية، خصوصًا قبائل البيضاء.
- بنود الوثيقة: إذعان شامل لخدمة الحرب الحوثية
- إرسال الأموال والأبناء لدعم القوات الحوثية على حدود يافع، وتوفير الإمدادات الغذائية من منازلهم.
- تجنيد القبائل لحشد مقاتلين ودعم العمليات العسكرية.
- التخلي عن الأقارب الموجودين في مناطق خارج سيطرة الحوثي كيافع ومأرب.
- الإبلاغ عن أي مناوئ للميليشيات داخل القبائل.
- الضغط على مقاومة آل حميقان لتسليم أنفسهم ومحاولة شيطنة وجودهم في الجنوب.
- تسليم السلاح الثقيل والمتوسط والمشاركة المباشرة في الهجوم على مواقع الجيش الجنوبي.

وثيقة الشرف
وتُظهر هذه البنود بوضوح أن ما سُمي بوثيقة شرف ليس سوى خطة لإجبار القبائل على الانخراط قسريًا في معركة لا تخصهم، في إطار مشروع الحوثي الذي يسعى لتفجير الصراعات القبلية وزرع الشقاق بين البيضاء ويافع، تمهيدًا للانسحاب مع ترك الفتنة مشتعلة خلفه.
- هجوم اختبار الولاء.. بين الرهانات والانكسار
رغبة الحوثيين في التأكد من ولاء هذه القبائل لم تكن مجرد كلمات، بل تحولت إلى أفعال عبر اختبار ميداني مباشر. مساء السبت، 26 أبريل 2025، شنت مجاميع حوثية وقبلية هجومًا استطلاعيًا على مواقع حدودية جنوبية ضمن مديرية الحد. إلا أن القوات الجنوبية كانت مستعدة، حيث نصبت كمائن محكمة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المهاجمين، مما أدى إلى فشل الهجوم الأول.

لم تكتف المليشيات بذلك، بل جهزت لهجوم واسع النطاق ليل اليوم التالي، 27 أبريل. لكن الجيش الجنوبي نفذ ضربة استباقية مباغتة في الساعة العاشرة والربع مساءً، استهدفت ثلاثة مواقع حوثية أسفرت عن تدميرها بالكامل، واغتنام عتاد عسكري دون خسائر في صفوف المهاجمين الجنوبيين. وقد تواصلت الاشتباكات حتى فجر الاثنين، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الحوثيين، ما أكد فشل الهجومين وخسارة استراتيجية جديدة للميليشيا في البيضاء.
- الهجوم على قشعة عبيد: الانتقام الأعمى وقصف المدنيين
أمام هذا الانكسار لجأت المليشيات إلى سياسة الانتقام. فجر الثلاثاء الماضي، شنت الميليشيات هجومًا واسعًا على موقع "قشعة عبيد"، أقرب النقاط الجنوبية لمناطق سيطرة الحوثي. الهجوم جاء من ثلاثة اتجاهات، ورافقه قصف مكثف طال منازل المدنيين في قرى وادي ريشان وآل الحيد والهضبة، وأُصيب الطفل طاهر محمد أحمد صالح في ريشان آل غرامة، فيما تعرضت ممتلكات عدة لتدمير جزئي.

رغم محدودية عددهم، صمد أفراد الموقع الجنوبي ببسالة لقرابة ساعتين، قبل أن يتمكنوا من كسر الهجوم وقتل أغلب المهاجمين. سقط في صفوف القوات الجنوبية شهيدان وأربعة جرحى، بينما انسحب من تبقى من الحوثيين وسط خسائر فادحة.
- فتنة مؤجلة أم مشروع انفجار؟
التحركات الأخيرة للحوثيين تكشف، وفق مراقبين، عن نوايا خبيثة لتفخيخ العلاقة التاريخية بين البيضاء ويافع. فالميليشيا التي تدرك اقتراب خسارتها لمعقلها في البيضاء، تسعى لإشعال فتيل صراع قبلي طويل الأمد قد يستمر حتى بعد انسحابها. هذا السيناريو ينذر بتفكك النسيج الاجتماعي القبلي ويدفع نحو حرب أهلية مناطقية يصعب إطفاؤها لاحقًا.

وتأتي هذه التطورات في وقت حذرت فيه تقارير عسكرية من ردود أفعال انتقامية قد تستهدف المدنيين والبنية التحتية، خصوصًا أن الحوثيين باتوا يتصرفون بعقلية انتقامية بعد هزائم متتالية، ما يضاعف من المخاطر الإنسانية في مناطق التماس.
- معركة الوعي قبل السلاح