> "الأيام" غرفة الأخبار:

قالت الباحثة في مركز "سوث24" للأخبار والدراسات، المتخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، د. إيمان زهران، إن المشهد الأمني في إقليم البحر الأحمر شهد تحولات دراماتيكية في الربع الأول من عام 2025، متأثرًا بتصاعد هجمات الحوثيين، وعودة التوتر الأمريكي مع الجماعة، الأمر الذي أنهى حالة "الهدوء النسبي" التي تلت إعلان وقف إطلاق النار في غزة في يناير من نفس العام.

وأضافت زهران، في تحليل نشره المركز أمس، أن اتفاقًا مفاجئًا تم بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين بشأن الهجمات على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، مثّل لحظة انعطاف في مجمل التفاعلات الإقليمية، مشيرة إلى أن القرار الأمريكي بشن ضربات ضد أهداف حوثية في اليمن، الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب في مارس، جاء متسقًا مع استئناف الجماعة لهجماتها ضد السفن الإسرائيلية.
  • عسكرة البحر الأحمر وتداعيات متصاعدة
وأوضحت زهران أن البحر الأحمر بات ساحة جديدة لعسكرة متزايدة، تهدد بحركة ملاحية غير مستقرة وتُربك مشاريع التنمية والتكامل الاقتصادي الإقليمي، ما يفرض إعادة النظر في معادلات الأمن القائمة. وفي هذا السياق، حدّدت الباحثة ثلاثة مؤشرات رئيسية تعكس طبيعة التهديدات الراهنة:

التنافس الجيوسياسي الدولي: أكدت زهران أن الإقليم بات محور اهتمام متزايد من قوى دولية تسعى للتموضع العسكري، مشيرة إلى كثافة القواعد الأجنبية في دولة مثل جيبوتي، حيث توجد قواعد أمريكية وفرنسية وصينية، بما يعيد أجواء الحرب الباردة إلى المنطقة.

عودة القرصنة البحرية: أفضى التوتر في البحر الأحمر، لا سيما منذ أواخر 2023، إلى إعادة تنشيط أنشطة القراصنة قبالة السواحل الصومالية، ما زاد من تكاليف التأمين البحري، وأربك حركة التجارة، في ظل غياب تنسيق دولي فعّال.

تعثر الدولة الوطنية: أوضحت زهران أن الدول الوطنية المطلة على البحر الأحمر تعاني من هشاشة أمنية، تعكسها أنشطة الفاعلين العنيفين من غير الدول، لافتة إلى أن اليمن تمثّل حالة نموذجية لفشل إرساء منظومة أمن إقليمي قادرة على الردع والاحتواء.
  • الدوافع الحوثية: بين الداخل والمحيط الإقليمي
وأشارت الباحثة إلى أن جماعة الحوثيين تبنت خلال الشهور الأولى من عام 2025 استراتيجية تصعيدية في البحر الأحمر، استجابة لجملة من الاعتبارات:

الاستنزاف الإسرائيلي: عبر منع السفن الإسرائيلية من عبور البحر الأحمر، وتنفيذ ضربات مباشرة داخل إسرائيل، مثل استهداف مطار بن غوريون وميناء إيلات، استخدمت الجماعة أوراق الضغط لدعم القضية الفلسطينية.

مواجهة واشنطن: لفتت زهران إلى أن الحوثيين يسعون لتعزيز دورهم كجزء من "محور المقاومة"، عبر الاشتباك مع القوات الأمريكية، وخاصة حاملة الطائرات "هاري ترومان"، في محاولة لمعادلة التصنيف الأمريكي لهم كمنظمة إرهابية.

أهداف داخلية: أوضحت أن التصعيد في البحر الأحمر يُوظف داخليًا لتبرير العمليات العسكرية بالجبهات اليمنية كتعز ومأرب، وتحييد الحكومة الشرعية، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مثل السيطرة على موارد النفط.

ورأت الباحثة أن الجماعة تمكنت عبر هذا التصعيد من تحقيق عدة مكاسب، منها تعزيز صورتها كقوة إقليمية مستقلة عن إيران، واستقطاب دعم من الكتلة الشرقية، خاصة روسيا، إلى جانب رفع أسهمها في أي مفاوضات مقبلة بشأن اليمن.
  • الحسابات الأمريكية: سياسة "السلام من خلال القوة"
واعتبرت زهران أن الإدارة الأمريكية في عهد ترامب تتبنى مقاربة تصعيدية تجاه الحوثيين، متأثرة بعقيدة "السلام من خلال القوة"، التي تسعى لاستعادة الردع بعد ما اعتُبر فشلًا لإدارة بايدن في احتواء التهديد الحوثي.

وقالت الباحثة إن واشنطن وجهت ضربات جوية استهدفت البنية التحتية للحوثيين، بما فيها منصات الصواريخ ومراكز القيادة، بهدف إضعاف الجماعة واستنزاف قدراتها. واعتبرت أن هذه التحركات تهدف أيضًا إلى تطويق النفوذ الإيراني، خاصة بعد تراجع أذرع طهران في غزة ولبنان وسوريا.

وأكدت أن هذه الضربات تأتي في سياق استعادة النفوذ الأمريكي في البحر الأحمر، ومنع القوى الدولية المنافسة، مثل الصين، من فرض مشاريعها الاقتصادية، خصوصًا في ظل تزايد الحديث عن "ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا".

كما رأت أن ضرب الحوثيين يمثّل خطوة أولى في حملة أوسع، ربما تشمل مستقبلاً ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، في إطار خطة لتقليص النفوذ الإيراني في الإقليم.
  • السيناريوهات المحتملة: بين فرص الاستقرار وخطر التهديدات
وفي ما يتعلق باستشراف المستقبل، طرحت الباحثة سيناريوهين رئيسيين لتطور الأوضاع في البحر الأحمر:

دعم فرص الاستقرار: ربطت زهران هذا المسار بإمكانية تعزيز التعاون الإقليمي، وتطوير آليات الأمن الجماعي، وتفعيل الدبلوماسية متعددة المسارات. كما دعت إلى الاستثمار في التكامل الاقتصادي، من خلال مشاريع مثل "مبادرة الحزام والطريق" و"الممر الهندي".

تعميق التهديدات الأمنية: في المقابل، حذّرت من استمرار اختلالات الدولة الوطنية، وغياب مشروع عربي موحد، في ظل تنامي النفوذ الإسرائيلي والإيراني، وتقاطع المشاريع الجيوسياسية، مثل قناة بن غوريون والربط بين ميناء إيلات والموانئ الإقليمية، ما يهدد بتفاقم التوترات.

وختمت الباحثة تحليلها بالتأكيد على أهمية إعادة تشكيل بنية الأمن الإقليمي بالبحر الأحمر، من خلال فهم ديناميكيات القوى الجديدة، وتطوير أدوات ردع جماعية، تسهم في تقليل الانكشاف الأمني، وتعزيز فرص الاستقرار المستدام في المنطقة.