أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 08:08 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • لهيب الحر وظلام الجهل يخنقان مدينة السلام والعلم والأدب فهل من مغيث؟

    محمد علي محمد أحمد




    تئن الحبيبة عدن، تلك المدينة الساحلية العريقة التي لطالما تغنّى بجمالها الشعراء، وكانت وجهة لراحة واستجمام الملوك والأمراء، وجامعة ينهل من شتى فنونها الثوار والأحرار والأدباء.

    وها هي اليوم ترزح تحت وطأة حرارة لاهبة تُحيل أيامها جحيماً لا يُطاق، وكأن بركاناً خامداً قرر أن يثور فجأة، ليُطلق حممه على أجساد سكانها المرهقة المجروحة.

    إن انقطاع التيار الكهربائي المُزمِن ليس مجرد إزعاج عابر، بل هو سَلبٌ لأبسط مقومات الحياة، لأبسط حقوق الإنسان المشروعة، إنقطاع حَوَّل المساكن الشعبية البسيطة إلى أفران خانقة، حيث يكتوي بنارها الكبار ويبكي منها الصغار، عقاب لا يتوقف في الليل والنهار.

    لقد بلغ السيل الزُبَى، ولم يعد في أحد من أمل يُرجى، سوى ممن يعلم السر وأخفى، فبعد سنوات من المناشدات والشكاوى التي لم تجد آذاناً صاغية، بل ازدادت المعاناة واتسعت لدرجة أن وجد أهالي عدن أنفسهم متروكين لمصيرهم في مواجهة صيف قائظ لا يرحم، وجهل دخيل أعظم.

    حتى تلك المحاولات الفردية البائسة لتوفير بدائل هزيلة كبطاريات الشحن، سرعان ما تخور قواها أمام ساعات الانقطاع الطويلة، لتترك العائلات في ظلام دامس وحرارة خانقة، وكأنهم في قبر ينتظرون الفرج الذي طال انتظاره.

    ولم يكتفِ من تسلط علينا وخانوا الأمانة ونهبوا حقوقنا، بهذا القدر من العذاب الجسدي والنفسي، بل امتدت يد الإهمال لتطال مستقبل أجيالنا.

    ففي مشهد يبعث على الأسى والغضب، تُغلق أبواب التعليم الرسمي في وجه أبناء الكادحين، أولئك الذين لا يملكون رفاهية المدارس الخاصة، والذين يعتمدون على التعليم الحكومي كطريق وحيد نحو مستقبل أفضل لأولادهم، وبكل بجاحة يعلنون عن موعد الامتحانات العامة.

    إنها يا سادة جريمة مكتملة الأركان بحق الطفولة والبراءة والإنسانية وحرمان لشريحة واسعة من المجتمع من حق أساسي كفله الله لسائر عباده في شريعته الغراء، وأقرته قوانين ودساتير الدول جمعاء، وحكم بنصرته رجال القضاء، إلا أن الأمر يبدو بشواهد جليّة، بأنه استهداف ممنهج لعدن وأهلها، وفق أجندة خبيثة تُنَفَّذ بصمت مطبق من قبل مسؤولين لا يحملون ذرة من ضمير أو مسؤولية أو أدنى مفهوم للإنسانية وبعيدون كل البعد عن ما يتشدقون به باسم الوطنية.

    لقد تَحَوَّل كل من عولنا عليهم ووثقنا بوعودهم إلى تماثيل صامتة، رؤوسهم مدفونة في رمال اللامبالاة، وكأن ألسنتهم قد شُلّت عن النطق بكلمة حق أو فعل شجاع لنصرته.

    أين هم أولئك الذين تعهَّدوا بحماية المدينة ورعاية أهلها؟

    أين ذهبت وعودهم المعسولة وشعاراتهم البَرَّاقة؟

    لقد تركونا وحدنا في هذا اللهيب وهذا الجهل والظلام، نواجه مصيراً مجهولاً وتساؤلاً لم نجد له إجابة: إلى متى سيستمر هذا العذاب؟ وإلى متى سيظل صمت (الأحرار) على تلك المأساة الإنسانية المهلكة؟ لكن عزاءنا الوحيد في قول: "حسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

    حسبنا الله على كل من تسبب بهذا البلاء، وكل من تخاذل وتقاعس عن نصرة هذه المدينة المنكوبة وأهلها الصابرين.

    عدن تستغيث يا رجال البأس فهل من مُغيث؟

    وهل سيُسمع صوتنا المبحوح هذا قبل أن يخنقنا اليأس؟

المزيد من مقالات (محمد علي محمد أحمد)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال