الاثنين, 16 يونيو 2025
128
في فجر جمعة مختلفة بدا أن المنطقة بأكملها تقف على حافة مرحلة جديدة، ليست إيران وحدها من تدخل هذه العاصفة، بل الإقليم برمّته.
الضربات الجوية الإسرائيلية استهدفت العمق الإيراني، طالت منشآت نووية ومراكز عسكرية حساسة، وأسقطت قادة من الصف الأول في الحرس الثوري، بينهم رئيس الأركان وقائد الحرس نفسه. ذُهل الجميع، وتوترت العواصم، لكن شيئًا قد تغيّر: الحديث عن «الرد الإيراني» لم يعد يثير اللهفة كما في السابق - رغم الصواريخ التي أطلقتها. لقد تآكلت هيبة طهران في الردع، وتغيّرت موازين كانت حتى الأمس القريب تبدو راسخة.
الضربة، على ما يبدو، لم تكن مرتجلة، بل سبقتها ترتيبات دقيقة. تغيّرت سيناريوهات، وأُعيدت قراءة الخرائط، إلى أن جاء فجر أول جمعة بعد عيد الأضحى ليشهد هذا الحدث، وما بين المهلة الأمريكية الستينية التي انتهت دون اتفاق، والمفاوضات الإيرانية الأمريكية المرتقبة في مسقط، بدا أن الزمن قد نفد.
الرسالة واضحة: سماء طهران لم تكن أكثر تحصينا من سماء بيروت أو دمشق أو صنعاء، بل إن الضربة هذه المرة، كانت أعمق وأشد: لم تستهدف أطراف إيران فحسب، بل استهدفت قلبها، علماءها، هيبتها.
ليس السؤال الآن عن الرد، بل عن كيف وصلت إيران إلى هذا الحدّ من الانكشاف؟ وهل كانت تدرك أن ضرب أذرعها الإقليمية سيؤدى حتما إلى تفكيك حضورها وضربها في العمق؟ وهل كان اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران إلا إشارة إلى أن السماء الإيرانية أصبحت مستباحة؟
ما لم تدركه طهران ـأو تجاهلته ـ أن حزب الله، وحماس، والحوثيين، ونظام الأسد، لم يكونوا مجرد أذرع ، بل كانوا عمق الحرس الثوري ذاته، وساحته الأمامية، ولهذا فإن الضربات التي طالت هذه الأذرع لم تكن عمليات معزولة، بل كانت تمهيدا لضرب الرأس.
ضربة الجمعة كانت تتويجا لسلسلة من الإشارات: أولاها فك الارتباط الإعلامي الأمريكي - الإسرائيلي فيما يخص العمليات في المنطقة، من البحر الأحمر إلى التصعيد ضد طهران.
تراجع مسار المفاوضات مع إيران الذى بدا أنه مجرد وسيلة لكسب الوقت. أعقب ذلك قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والموقف الأوروبي المتشدد.
وما لم يُعلن رسميا، لكن بدا واضحا، هو أن الطيران الإسرائيلي تدرب طويلا على تنفيذ عمليات بعيدة المدى، امتدت حتى جبال اليمن.
في لحظة خاطفة، تلقّت طهران ضربات على منشأة نطنز النووية وسلسلة مواقع عسكرية، وأعلنت الأنباء عن مقتل عشرين قائدا عسكريا، منهم كبار قادة المؤسسة العسكرية.
إخراج إيران من المعادلة الإقليمية بهذا الشكل، سيجعل من إسرائيل قوة أكثر تغوّلا في المنطقة. لكنها، في المقابل، قد تكون جرس إنذار عربي يجب أن يُقرع بقوة.
إن الفرصة سانحة الآن أكثر من أي وقت مضى لإعادة التلاحم العربي، فالمخاوف من المشروع الإيراني التي كانت تعيق التقارب العربي، بدأت بالتراجع، وها هو اختطاف طهران للراية العربية والنضال من أجل فلسطين يتراجع بدوره، بعد أن خدم إسرائيل لسنوات، ومزّق الصف العربي.
لم يعد من المقبول أن تكون المنطقة العربية ملحقا لقوة إقليمية أجنبية - سواء من طهران أو أنقرة أو تل أبيب، فالمشهد يفرض علينا اليوم، بكل ما فيه من توتر، إطلاق مشروع عربي جاد للتقارب، ولملء الفراغ الذي طالما مكّن الآخرين من التحكم بمصيرنا.
الليل حالك، نعم، لكن سواده ينبئ بفجر قريب. لسنا أمام وهم، بل أمام واقع ينهار، ولا بد أن ينبثق منه أمل.
على النخب السياسية العربية أن تطرح اليوم -لا غدا- مشروعا واقعيا للإنقاذ العربي المشترك. الفراغ الإقليمي كبير، من طهران إلى أنقرة، حتى إسرائيل ذاتها ليست في أفضل حالاتها، (بل الكيان الصهيوني قابل للانفجار تحت أي ضغط حقيقي).
والمشهد الدولي، المشحون بإعادة رسم خرائط القوى، يمنح هذه الأمة فرصة نادرة لتعيد تموضعها.
نعم، يمكننا أن ننجو. بل يجب أن ننجو.
وستنجو هذه الأمة إذا امتلكت شجاعة اللحظة، واستثمرت الفرصة.
"الأهرام"