> "الأيام" وكالات:

​على الرغم من أن المؤشرات الرسمية الحديثة تحصر التسارع في ارتفاع مؤشرات الإصابات الوبائية بالكوليرا وحمى الضنك في محافظات قليلة جدا، إلا أن الواقع الميداني، وبخاصة على صعيد وباء الكوليرا، يؤكد أن معظم اليمن على الأرجح بات يشهد موجة وبائية جديدة (ثالثة) غير معلنة من فاشية الكوليرا.

وهي نتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع المعيشية جراء الحرب المستعرة هناك للعام الحادي عشر، وبالتالي اللجوء لاستخدام مياه غير نظيفة، وسوء الصرف الصحي وسوء التغذية، وقبل ذلك وبعده انهيار وتراجع أداء نسبة كبيرة من مرافق الخدمة الصحية العامة، بالتوازي مع تراجع التمويل العالمي لتعزيز فعاليتها، ما تسبب في توطين بعض الأوبئة هناك، وفي مقدمتها الكوليرا، والتي اعتبرها أحد التقارير الدولية الحديثة “قنبلة موقوتة في اليمن”.

المستشفيات في صنعاء وذمار وإب وتعز وعدن وغيرها من المحافظات في شمال وجنوب وشرق وغرب البلاد تشهد ازديادًا كبيرًا في استقبال الإصابات بالاسهالات المائية الحادة، أي تسجيل عدد كبير من حالات الإصابة والاشتباه بالكوليرا مع عجز في إمكانات المواجهة.

في تصريح رسمي، أعلن مسؤول الإعلام بمكتب الصحة والسكان بمحافظة تعز جنوب غربي اليمن، تيسير السامعي، أمس الاثنين، عن تفش جديد لوباء الكوليرا، مؤكدًا ارتفاع حالات الوفاة، فيما ارتفعت عدد حالات الإصابة المؤكدة، من 29 حالة إلى 116 حالة خلال أسبوعين، مما يعني تسجيل 78 حالة خلال فترة قصيرة، وارتفاع عدد حالات الاشتباه إلى ألف و734 حالة منذ بداية العام حتى أمس الاثنين.

وكشف أن عدد حالات الاشتباه ارتفع بشكل كبير من 1,260 حالة مسجلة في مطلع يونيو إلى 1,734 حالة حتى منتصف الشهر، أي بزيادة 474 حالة جديدة خلال أسبوعين فقط.

وقال، في بيان نشره على حسابه في “فيسبوك”، اطلعت عليه “القدس العربي”، إن المؤشرات الوبائية تشير إلى أن هناك زيادة في حالات الإصابة المؤكدة وحالات الوفاة، وهو ما يُنذر أن هناك موجة وباء جديدة.

وكانت تقارير محلية نقلت عن مدير مركز الترصد الوبائي في عدن، خلال مايو/ أيار، قوله إن مركز العزل الصحي الخاص بالكوليرا في مستشفى الصداقة التعليمي يستقبل يوميًا ما لا يقل عن 30 حالة إصابة. وزاد موضحًا أن بعض هذه الحالات تصل من مديريات محافظة عدن، بينما يأتي بعضها الآخر من المحافظات المجاورة مثل لحج وأبين والضالع.

صالح (65 سنة) أصيب بإسهال مائي حاد، وتم تشخيص حالته باشتباه بالكوليرا، ونتج عن الإصابة مضاعفات منها اختلال حاد في وظائف الكلى، وتم نقله إلى مستشفى ذمار العام، وجرى إخضاعه للعلاج في مركز معالجة الإسهالات المائية الحادة، التابع لمنظمة الصحة العالمية، وخلال يومين تجاوز مرحلة الخطر، وطلب منه مغادرة المركز، ليوفر السرير لمصاب آخر، مع ارتفاع الضغط على المركز جراء تزايد حالات الإصابات بالوباء، وفق حديث له مع “القدس العربي”.

في عام 2024 ، سجّل اليمن أكثر من 260 ألف حالة مشتبه بها، وأكثر من 870 حالة وفاة مرتبطة بالكوليرا. ويُمثل هذا العدد، 35٪ من إجمالي الإصابات العالمية، و18٪ من إجمالي الوفيات العالمية الناجمة عن الكوليرا.
وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية، في بيان، خلال الشهر الماضي، من أنه في حال عدم اتخاذ إجراءات عالمية في اليمن ستظل البلاد معرضة بشكل خطير لأوبئة مستقبلية وأزمات صحية متفاقمة.

وكانت منظمة الصحة العالمية أكدت أن اليمن يتحمل العبء الأكبر من الكوليرا عالميًا. وقد عانى البلد من انتقال مستمر للكوليرا لسنوات عديدة، بما في ذلك أكبر تفشٍّ مُسجَّل في التاريخ الحديث – بين عامي 2017 2020.
واجتاح وباء الكوليرا اليمن، بشكل اُعتبر هو الأسوأ في التاريخ، خلال 2016 -2021، جراء تراجع خدمات ومستلزمات النظافة وتلوث مياه الشرب وتدهور خدمات الصرف الصحي والرعاية الطبية تحت تأثير الحرب، التي أهدرت معظم إمكانات البنى التحتية للخدمات. وتم الإبلاغ جراء ذلك عن أكثر من 2.5 مليون حالة مشتبه بها و4000 حالة وفاة.

في السياق، كشفت إحصائية رسمية عن تسجيل أكثر من 22 ألف إصابة بأمراض وبائية في محافظة تعز، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.

وقال تيسير السامعي، مسؤول الإعلام الصحي في المحافظة، إن إجمالي الإصابات المسجلة منذ مطلع يناير وحتى نهاية مايوبلغ 22,544 حالة، شملت عددًا من الأوبئة المنتشرة في المحافظة، أبرزها الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك، وحمى وادي النيل، وحمى الانحناء، والحصبة.

وأوضح السامعي، في منشور عبر صفحته على فيسبوك، أن الملاريا تصدرت قائمة الإصابات بـ18,832 حالة، تلتها الحمى الفيروسية المختلفة (الضنك، وادي النيل، والانحناء) بـ1,460 حالة، في حين سجلت 992 إصابة بالحصبة، و1,260 إصابة إضافية بالكوليرا ضمن إحصائيات منفصلة.

في السياق، حذرت منظمة الصحة العالمية من تزايد لافت في حالات الإصابة بحمى الضنك في جنوب اليمن.

وأفادت بأن عدد حالات الإصابة هناك بلغ 3900 إصابة، موضحة أنها أسفرت عن وفاة 14 حالة منذ مطلع العام الجاري، وفق وكالة “رويترز”.

وذكر بيان لمكتب المنظمة في اليمن، الأحد، أنه منذ بداية العام “سجلت حالات الإصابة بمرض حمى الضنك نحو 3900 إصابة، مع وفاة 14، في محافظتي عدن ولحج، خلال الفترة بين يناير وأبريل 2025”.

وينتقل فيروس “حمى الضنك” إلى الإنسان عن طريق البعوض، ويكتسب البعوض الفيروس عادة عندما يمتصّ دم أحد المصابين بالعدوى، وتتمثل أعراض المرض بالحمى والصداع الشديد وآلام المفاصل والعضلات وآلام العظام إضافة إلى الألم الشديد وراء العينين ونزيف من الأنف.

وذكرت المنظمة أنها دشنت مؤخرًا، وبدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، حملة شاملة لمكافحة حمى الضنك في المحافظتين، استجابة لتزايد حالات الإصابة، حيث تضمنت “تنفيذ أنشطة رئيسية في إدارة مصادر اليرقات، والتثقيف الصحي، والرش الضبابي المُستهدف”.

وتضرب الأمراض والأوبئة اليمن وسط حرب مستمرة للعام الحادي عشر على التوالي أودت بحياة الآلاف من اليمنيين في ظل تدهور كبير في القطاع الصحي الذي تسببت الحرب في إغلاق نصف مرافقه الطبية.