الثلاثاء, 17 يونيو 2025
168
تمر الشعوب والأفراد في حياتهم بلحظات تحمل مشاعر قوية، حيث يختلط الحماس بالأمل، والغضب بالتطلعات. وفي هذه اللحظات، تُتخذ أحيانًا قرارات مهمة تغير مصير أجيال. المشكلة ليست في المشاعر نفسها، فهي طبيعية وفطرية، بل في تحويل هذه المشاعر المؤقتة إلى قرارات دائمة دون دراسة كافية. هذا الخطأ تكرر في العديد من المواقف التاريخية والسياسية، وكان الجميع يدفع ثمنه.
في السياسة، لا يقاس النجاح بمدى قوة الانفعال، بل بقدرة القادة على التمييز بين ما هو شعور عاطفي عابر، وما هو واقع مستدام. كثير من الأزمات لم تنشأ بسبب نوايا سيئة، بل نتيجة اندفاع حسن النية دون حكمة. وهذا ما حدث مع الوحدة اليمنية عام 1990. فقد تم اتخاذ قرار الوحدة في لحظة حماس وطني جميل، ولكن دون وضع ضمانات أو قواعد واضحة تحفظ توازن الوحدة وعدالتها. ونتيجة لذلك، لم تستمر الوحدة، وتحولت إلى صراع مستمر لا تزال تداعياته تؤثر حتى اليوم.
عند النظر إلى وضع المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم، نجد تحديات أكبر وضغوط شعبية أشد ومطالب أكثر إلحاحًا. لكن التحدي الرئيسي لم يتغير: كيف يمكن اتخاذ قرار مصيري في ظل مشاعر قوية، دون التسرع؟ يحمل المجلس قضية عادلة تستند إلى تاريخ من الظلم، لكن العدالة في الفكرة وحدها لا تكفي دون قدرة على الإدارة والحكم الرشيد.
المواطن الجنوبي لا يبحث فقط عن هوية سياسية، بل عن حياة كريمة، تشمل كهرباء مستقرة، وأمنًا مستدامًا، ورواتب منتظمة، وخدمات تحترم كرامته. والقيادة التي لا توازن بين إدارة الواقع والتخطيط للمستقبل قد تخسر، حتى لو كانت تحمل أعدل القضايا. لذلك، يواجه المجلس اختبارًا مهمًا: هل يظل صوتًا سياسيًا فقط، أم يصبح نموذجًا للحكم الرشيد الذي يلبي حاجات الناس اليومية؟
تزيد التعقيدات بسبب البيئة المحيطة، من تداخل السلطات وتضارب المصالح، إلى صراعات النفوذ والانقسامات. وفي ظل هذه الظروف، قد تصعد أصوات تطالب باتخاذ قرارات جريئة، لكن الجرأة وحدها لا تكفي إذا لم تكن مبنية على تقييم دقيق للعواقب والاستعداد لتحمل النتائج.
التاريخ لا يعيد نفسه بنفس الطريقة، لكنه يحمل دروسًا مهمة. ما حدث في 1990 قد يتكرر اليوم إذا غابت الحكمة وسيطر العاطفة. قرار الوحدة الذي اتُخذ في لحظة شعور مؤقت سبب أزمة طويلة الأمد. والمجلس اليوم، وهو في مفترق طرق، لا يمكنه تكرار هذا الخطأ وهو يحمل دروس الماضي.
في النهاية، تحرك المشاعر الشعوب، لكنها لا يجب أن تقودها. والقرارات التي لا يمكن التراجع عنها يجب ألا تتخذ تحت تأثير لحظة عاطفية مؤقتة. فبعض القرارات تُتخذ بسرعة، لكنها تكلف شعبًا بأكمله عمرًا طويلًا. لذلك، يجب أن نتمهل في اتخاذ القرار، ونوازن بين الفهم والحكمة، لأن المستقبل لا يُبنى على الحماس فقط، بل على الاتزان والتروي.