الثلاثاء, 17 يونيو 2025
157
ها هي رقصة النار تُستأنف من جديد، بل لم تتوقف بل تزداد سخونة ،بين طهران وتل أبيب، كأن العالم قد ملّ الهدوء، أو أن السماء ذاتها قد ضاقت بصمت الأرض. المواجهة لم تعد خاتمتها خافية، ولا تحتاج إلى تأويل، إذ تنفتح الستارة على مشهدِ يندفع بخطى سريعة نحو الحسم، وكأن قدر المنطقة كُتب على لوح من لهب .
إيران، ذاك الثور الجريح، تحاصره العزلة من الجهات الأربع. تخونه الجغرافيا، وتثقله جراح الداخل؛ اقتصاد مترنّح، ويد أمنية من حديد، واختراقٌ في مفاصل الدولة لا عهد له به. لا أصدقاء صادقون حولها، ولا خصوم شرفاء، تجني ما زرعت أذرعها.
الجميع يراقب، ينتظر، يتحسس الزناد... أو يكتفي بالهمس والعتب، والعمل الدبلوماسي الخجول.
وإسرائيل؟ يتأكد المحيط انها عدو لا أمان له، لا تعرف العُرف، ولا تقيم للقانون وزنا، تقتل الرضع في غزة وتؤكد أنهم أعداء المستقبل حتماً. لا تزال في قلقها الأزلي، تبحث عن نصر خاطف، تخشى أن تطول المعركة فتنكشف هشاشتها. داخلها يئن، ومعظم سكانها بدأوا يحلمون بمراكب النجاة عبر البحر، وكأن الطوفان قادم لا محالة.
في قلب هذا المشهد المضطرب، يظهر الأمريكي -كعادته- ،في مخيلتنا، رجل الكابوي، بمسدس على خاصرته وقبعة عريضة ونصف سيجارة في فم متآكل ونظرة متربصة بقوافل المهاجرين المحملة بالذهب.!. نتخيله قادم من حيث لا يُنتظر.. يسير على خلفية موسيقى الكابوي الشهيرة بصفير يزيد من عمق الترقب ! .ليظهر ترمب، الذي لا يعرف طقوس التمهيد، مغادرا قمة السبع في جبال روكي وكأن الجبال همست له بسرّ الغضب. كتب على منصته الإلكترونية: "على الجميع إخلاء طهران فوراً". لم يُفسر، لكنه قال ما يكفي ليجعل الاحتمال حقيقة، والظل ناراً.
كل الشواهد تشير إلى أن نهاية الأسبوع قد لا تكون عادية... فالحسم يلوح في الأفق، والريح التي تسبق العاصفة العاتية بدأت تشتد
تمتلك إيران ما يجعلها خصماً عنيداً.
قدراتها الصاروخية، التي تسعى إسرائيل لتدميرها قبل أن تُستخدم بكل طاقتها،
وصبرها التاريخي، المصحوب بالنفس الطويل على تحمل الحصار و الأزمات، والذي لا يتوفر في مجتمع هشّ، متعدد الأصول، كالمجتمع الإسرائيلي.
ولهذا يصرخ نتنياهو، يطالب بتدخل أمريكي عاجل لا يعرف الانتظار.
وفي لهجة لا تقبل اللبس، يعدنا سفيرهم في واشنطن بمفاجآت ليلة الخميس والجمعة، وبلُغة مثقلة بالوعيد، يقول إن ما سيجري سيجعل من كل ما سبق مجرد تمرين.
فهل نحن على أعتاب مشهد دموي جديد؟
تصريحات متلاحقة، وادعاءات مريبة، من تخطيط إيراني لقصف أمريكا، إلى نوايا لاغتيال الرئيس ذاته، تُرسم كخلفية ضرورية لتبرير مشهد اكثر دموية قادم لا مناص منه.
أما طهران، تلك المدينة التي تحتضن أكثر من عشرة ملايين نسمة، كيف يُطلب منها أن تُخلى؟
هل تُفرغ المدن كما تُفرغ الذاكرة؟
هل تُهجّر الأرواح بأمر رئاسي من خلف شاشة؟
كأن المنطق انسحب من زمن الحروب، وكأن الجنون صار دليلاً للمراحل القادمة.
فلا تسأل عن المعنى،
ولا تبحث عن العدالة،
في زمنٍ صارت فيه الحقيقة أول ضحية،
والدماء هي اللغة الوحيدة التي تُكتب بها خرائط هذا الشرق المنكوب.