> «الأيام» د. يحيى قاسم سهل:

د. يحيى قاسم سهل
د. يحيى قاسم سهل
نادراً ما حظيت المكتبة بدراسة تتناول تعدد وتنوع مضامين أو أغراض الشعر عند الشعراء في اليمن، وإذا كان هذا هو حال الشعر الفصيح، فالشعر العامي هو الآخر يفتقر لهكذا دراسات، بل إن الدراسات التي عنيت بهذا الشاعر أو ذاك، لم تتجاوز التعريف ببعض أعمال الشاعر، وأحياناً يختلف الباحثون حول حياة ونشأة الشاعر.. الخ. ولذلك نجد أن الشعر العامي في اليمن شفاهي تتناقله الذاكرة الشعبية، ولم يوثق إلا القليل منه.

والشاعر الغنائي يحيى عمر، واحد من هؤلاء الشعراء، وبالرغم من مكانته العظيمة في وجداننا وفي المشهد الثقافي اليمني برمته، فإنه يكاد يكون منسياً، ولا يعرفه إلا المختصون أو المهتمون بالفضاء الثقافي في بلادنا. ود. سعودي علي عبيد الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة عدن واحد منهم، إذ عرف عنه اهتمامه بالنقد الأدبي والفني، والذي لا يعرف المجاملة ولا حرق البخور كما يفعل البعض.

وضمن اهتمامات د. سعودي الثقافية، جاء كتابه (الذي بين يدينا) عن الشاعر الغنائي يحيى عمر بعنوان (تنوع مضامين القصيدة عند الشاعر الغنائي يحيى عمر أبو معجب اليافعي) والصادر عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر.

وقد احتفى الأديب الفاضل والشاعر الرقيق الأستاذ عبدالله فاضل فارع بالكتاب أيما احتفاء، اذ كتب (11 صفحة) بعنوان (تحية تقدير واعتزاز لتحية وفاء وانتماء بمناسبة صدور الكتاب) ونكتفي من تلك التحية الصادقة والجليلة جلال كاتبها، بما يلي: «هيا بنا نلج باب كتاب «سعودي» عن يحيى من مقدمته الجادة الرصينة، واللطيفة الخفيفة الظريفة أيضاً، إلى بقية موضوعاتها المتنوعة، لترسم فيها خطوات كاتبها بملامح طاب له استعراضهاً هكذا لتقرأها كما طاب تسلسلها، أو كل موضوع على حدة، وأنك لواجد فيها - في الختام- متعة فنية، ومعرفة متنوعة، ووجهة نظر سديدة مؤنسة معاً» .

وإذا كان هذا شأن المقدمة - كما رآها الأستاذ عبدالله فاضل - فماذا يمكن القول عن الكتاب. حقاً، لقد طاف وجال الأستاذ فاضل ووقف عند كل سطر في الكتاب كما يقف العاشق أمام الأطلال.

وأياً كان الأمر، فقد اجتهد د. سعودي في كتابه، باحثاً عن إجابة للسؤال التالي: ما هو سر انتشار اللون اليافعي مقترناً بأشعار يحيى عمر؟

وأشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى قصة لقائه الأول بيحيى عمر، وكذلك لقاؤه الثاني به، مؤكداً على مكانة يحيى عمر في فضاء الغناء اليمني، بل والمشهد الثقافي برمته، ومنبهاً إلى أهمية دراسة يحيى عمر دون سلخه عن سياقه التاريخي. وأوضح الإشكالية التي تتمحور حولها دراسته ومنهجها.

أما الفرضية التي سيؤكدها البحث، فتتخلص في أن شيوع لون الغناء اليافعي بوصفه أحد الوان الغناء اليمني، لم يكن قطعاً معروفاً قبل مجيء الشاعر يحيى عمر.

وبصرف النظر عن أهمية هذه الدراسة التي المح إليها الباحث، فإن الجهد المبذول، لا شك سيلحظه القارئ، سواءً مر على الكتاب مرور الكرام أو مرور اللئام.

وعلاوة على المقدمة والخاتمة، يتضمن الكتاب تمهيداً وفصولاً خمسة، حسم في التمهيد الخلاف الدائر حول نسب يحيى عمر وموطنه مستدلاً على ذلك بأشعاره، واصفاً «الاختلاف حول هذه المسألة هو افتعال غير مبرر».

وفي الفصل الأول، الموسوم (مطلع القصيدة وختامها عند يحيى عمر أبو معجب اليافعي) أوضح من خلال استقراء النصوص، أن يحيى عمر لم يحاك أحدا بل اختار أسلوبه الخاص في استهلال قصائده، محققاً عدة أهداف، أهمها أنه كان يستهل قصائده بذكر اسمه مخلداً ذكراه وبالتالي توثيق نتاجه الشعري والحفاظ عليه، مثل قوله:

يقول يحيى عمر من ماته أمه تقنع

بايطعم الماء صبر والقوت ما عاد ينفع

هذا، ويتناول في الفصل الثاني (تعدد أغراض القصيدة عند يحيى عمر) مشيراً إلى أن الغرض الرئيسي في شعر يحيى عمر هو (الغزل) إلى جانب أن القصيدة لديه «كانت تحتوي في داخلها أغراضاً متعددة كالحماسة والحكم والابتهال إلى الله وغيرها..».

وللغزل عند يحيى عمر مبررات عدة، أوردها الباحث، علماً أن غزل يحيى عمر من النوع الحسي، حاول الشاعر من خلاله إبراز ملامح معشوقته، لذلك أبدع في وصف أدق التفاصيل لمعشوقاته.. مثل:

طلعت وأني بزين أهيف زبيب أخضر

لابس مشجر ذهب والطاس والحله

والأمثلة لا تعد ولا تحصى، إذ أبدع في وصف المعشوق وتعداد محاسنه، من جمال الجسم، إلى الشعر الأسود الطويل المسترخي على الكتفين، ناهيك عن ضياء الوجه وإشراقته والمبسم الجميل الجذاب، والأسنان البيضاء ورقة ونظارة الوجنتين.. الخ.

رواني اكعوب كالبلور

مثل السفرجل ورماني

ولم يكتف يحيى عمر بوصف جسم المعشوقة من رأسها حتى أخمص القدمين، بل أنه يتلذذ برائحة عرقها:

صب العرق من جبينه عطر، ماء وردي

لاجيت باشم خده فاحت أرياحه

والقارئ لأشعار يحيى عمر يلحظ وبسهولة أنه هام عشقاً باليمانية سواء أكانت من يافع أو حضرموت أو صنعاء أو آنس أو يفرس، كما أنه ونظراً لترحاله وأسفاره الدائمة عشق الهندية بل وتزوجها، كما هام في عشق العمانية، وهذا ما تناوله الباحث، إضافة إلى وقوفه عند أشعار الحكمة عند يحيى عمر، متتبعاً القيم الأخلاقية التي تجسدها هذه الأشعار.

ومن الخصائص الفنية والجمالية عند الشاعر يحيى عمر التي أبرزها الباحث، أسلوب الحوار الثنائي (الديالوج) ووفقاً للباحث، فإن استخدام الشاعر يحيى عمر أسلوب الحوار مكنه من بلوره وجلاء أغراضه الشعرية.

وإذا كان المعروف عن يحيى عمر أنه عاشق ولهان، ففي دراسة د. سعودي، نتعرف على يحيى عمر المتدين والعامر قلبه بالإيمان، كما نتعرف في الفصل الثالث من الكتاب على يحيى عمر المثقف الموسوعي بحسب الزمان الذي عاشه، وملامح ثقافته واضحة في معرفته بلهجات اليمن، واستخدامه لمفردات اجنبية في أشعاره، والصنعة الفنية في نظم القصيدة بمعنى اهتمامه بالشكل في القصيدة وتنويعه.. الخ.

وفي الفصل الرابع درس الباحث الموسيقى في شعر يحيى عمر مشيراً إلى أن الشاعر التزم التزاماً صارماً بأوزان بضعة من بحور الشعر العربي الأصلية والمولدة من الدوائر العروضية المعروفة الشائع استخدام بعضها في الشعر الحميني، منوهاً بغلبة بحر البسيط - بمختلف ضروبه - عليها.. الخ، إضافة إلى بعض القصائد جاءت على بحور أخرى كالرجز والطويل والممتد. أما في الفصل الخامس، فقد أورد مختارات من شعر أبو معجب بلغت نحو (26) قصيدة شملت جل أغراض الشعر.

وأخيراً قفّا كتابه بخاتمة أبرز فيها جملة من الاستنتاجات الموضوعية والفنية التي توصل إليها، لعل أهمها أن المتعة في أشعار يحيى عمر لا حدود لها، وهي متجددة مع الزمن، بل إن كل قصيدة من قصائد اليافعي تخلق متعتها الخاصة بها. كما بينت خاتمة الكتاب درجة القصور عند العديد من المهتمين بتراث يحيى عمر الذين عدوا يحيى عمر شاعراً غنائياً فقط، وأثبت في دراسته أن يحيى عمر كان شاعراً متكاملاً وشاملاً، ليس هذا فحسب، بل كان مجدداً في أشكال واساليب استهلال القصيدة أو في مضمونها وشكلها، إلى جانب هذه الخصائص فإن شعر يحيى عمر شأن الأشعار الخالدة، توافرت له صفات أساسية هي الصدق الواقعي والصدق الفني، والصدق الشعوري.

والحقيقة أن دكتور سعودي علي عبيد، أعاد إنتاج يحيى عمر جمالياً، وأضاف إلى متعة أشعار يحيى عمر، متعة لا يستطيع أن يصل إليها، إلا إنسان مسكون باليمن وتراثه.