> فضل النقيب:
كانت سنوات الستينات من القرن الماضي سنوات الانبعاث من بين ركام القرون السحيقة، وسبحانه من يحيي العظام وهي رميم. كانت سنوات الأمل عقب انحسار عصور الاستعمار الأبيض لبلدان العالم الثالث، وكان الأمل يطغى على كل ما سواه من مشاعر العجز والهوان والذل والانكسار.
وفي القلب من عاصفة الستينات التي أعقبت رياح الخماسين أو الخمسينات كان المعلمون، بل لقد كانوا في عين العاصفة، فهم القيادات الطبيعية للمجتمع وعلى سروج خيولهم يردفون الشباب المنذورين للتضحية، ولكي يكونوا وقود الثورة الذي لا ينطفئ.
في المعهد العلمي الإسلامي في كريتر تابعنا بشغف أستاذنا علي أحمد السلامي وهو يزرع الخلايا الأولى لحركة القوميين العرب بدأب وتصميم واستعداد للتضحية، وعلى مقربة من سالم زين محمد الذي كان يبدو كتلميذ نجيب لعلي السلامي وإن كان يفوقه طولاً وعرضاً ووزنا، فقد كان ابن زين مثل ذلك الحوت الذي يصعّد نافورة مياه إلى السماء من ظهره، فيما ابن أحمد السلامي مثل سمكة زينة ذهبية لا تكاد تزعج الحوض الزجاجي الصغير، وكان كل ما في سالم زين محمد يشي بالعلنية والأنا فيما كل ما في علي السلامي يشير إلى السرية واللواذ بالظلال. عرف عن سالم زين شغفه الهائل بالقراءة (دودة كتب) وكان يسكن في المعهد العلمي الإسلامي لا تكاد تعرف ماذا يأكل غير الكتب، وقد لازمته هذه الهواية الجميلة حتى آخر أيامه في منفى النسيان، ويقال انه هو الذي كتب ميثاق الجبهة القومية أو بالأصح خط مسودته الأولى.
علي السلامي كان يسير في أروقة المعهد مثل طائر الفلامنجو مشرئبا مليئا بالكبرياء ومفعماً بالصمت، ولكنه كلّه آذان ومجسّات مثل روبوت يسير على سطح القمر: البعثيون على يساره والإسلاميون على يمينه، وأمامه جحافل القوميين الناصريين الذين دقوا ما بينهم وبين القوميين العرب (عطرمنشم) بعد هزيمة 1967 حين نصبت حركة القوميين العرب من نفسها وصياً على المد القومي، وكان رفعها لشعار (الدم والثأر) مؤشراً على الدموية المتعطشة التي صبغت دولة ما بعد الاستقلال، وكان أقطاب اليسار يتوافدون من لبنان على عدن ضيوفاً ومعلمين ومحرضين بل وملاّكاً للدار وأهله وعلى طريقة (شاة البلد تعجب التّيس الغريب). إنهم يتحسرون الآن على زمنهم الذهبي حين كانت صالات الشرف مشرعة الأبواب والاستراحات تعلق لافتات الترحيب وكلمة منهم تحيي أو تميت، سبحان من له الدوام.
كان علي السلامي يبتعث البعثات إلى قاهرة عبدالناصر أيام شهر العسل القصير، وكان سالم زين محمد، وكلاهما من لحج الخضيرة، يتعلم اصطياد الأعداء بحبال الجدل والفكر، وقد تبوأ علي السلامي (عضو مجلس الشورى الآن) مكاناً قيادياً مرموقاً في الجبهة القومية وتابعه بن زين حذو الحافر بالحافر قبل أن يقع الفأس في الرأس في مؤتمر الإسكندرية - أظنه في 1966 - حين أتمت المخابرات المصرية جمع رأسين في الحلال (الجبهة القومية وجبهة التحرير) وكان ذلك رابع المستحيلات بعد (الغول والعنقاء والخل الوفي).
وفي القلب من عاصفة الستينات التي أعقبت رياح الخماسين أو الخمسينات كان المعلمون، بل لقد كانوا في عين العاصفة، فهم القيادات الطبيعية للمجتمع وعلى سروج خيولهم يردفون الشباب المنذورين للتضحية، ولكي يكونوا وقود الثورة الذي لا ينطفئ.
في المعهد العلمي الإسلامي في كريتر تابعنا بشغف أستاذنا علي أحمد السلامي وهو يزرع الخلايا الأولى لحركة القوميين العرب بدأب وتصميم واستعداد للتضحية، وعلى مقربة من سالم زين محمد الذي كان يبدو كتلميذ نجيب لعلي السلامي وإن كان يفوقه طولاً وعرضاً ووزنا، فقد كان ابن زين مثل ذلك الحوت الذي يصعّد نافورة مياه إلى السماء من ظهره، فيما ابن أحمد السلامي مثل سمكة زينة ذهبية لا تكاد تزعج الحوض الزجاجي الصغير، وكان كل ما في سالم زين محمد يشي بالعلنية والأنا فيما كل ما في علي السلامي يشير إلى السرية واللواذ بالظلال. عرف عن سالم زين شغفه الهائل بالقراءة (دودة كتب) وكان يسكن في المعهد العلمي الإسلامي لا تكاد تعرف ماذا يأكل غير الكتب، وقد لازمته هذه الهواية الجميلة حتى آخر أيامه في منفى النسيان، ويقال انه هو الذي كتب ميثاق الجبهة القومية أو بالأصح خط مسودته الأولى.
علي السلامي كان يسير في أروقة المعهد مثل طائر الفلامنجو مشرئبا مليئا بالكبرياء ومفعماً بالصمت، ولكنه كلّه آذان ومجسّات مثل روبوت يسير على سطح القمر: البعثيون على يساره والإسلاميون على يمينه، وأمامه جحافل القوميين الناصريين الذين دقوا ما بينهم وبين القوميين العرب (عطرمنشم) بعد هزيمة 1967 حين نصبت حركة القوميين العرب من نفسها وصياً على المد القومي، وكان رفعها لشعار (الدم والثأر) مؤشراً على الدموية المتعطشة التي صبغت دولة ما بعد الاستقلال، وكان أقطاب اليسار يتوافدون من لبنان على عدن ضيوفاً ومعلمين ومحرضين بل وملاّكاً للدار وأهله وعلى طريقة (شاة البلد تعجب التّيس الغريب). إنهم يتحسرون الآن على زمنهم الذهبي حين كانت صالات الشرف مشرعة الأبواب والاستراحات تعلق لافتات الترحيب وكلمة منهم تحيي أو تميت، سبحان من له الدوام.
كان علي السلامي يبتعث البعثات إلى قاهرة عبدالناصر أيام شهر العسل القصير، وكان سالم زين محمد، وكلاهما من لحج الخضيرة، يتعلم اصطياد الأعداء بحبال الجدل والفكر، وقد تبوأ علي السلامي (عضو مجلس الشورى الآن) مكاناً قيادياً مرموقاً في الجبهة القومية وتابعه بن زين حذو الحافر بالحافر قبل أن يقع الفأس في الرأس في مؤتمر الإسكندرية - أظنه في 1966 - حين أتمت المخابرات المصرية جمع رأسين في الحلال (الجبهة القومية وجبهة التحرير) وكان ذلك رابع المستحيلات بعد (الغول والعنقاء والخل الوفي).