> «الأيام» منصور نور:
حضرموت .. أرض الخير والعطاء .. الجذور والانتماء، إليها ينسب العالم الجليل عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (ت:808 هـ بمصر) والأديب الكبير علي أحمد باكثير (ت:1389هـ بمصر)، والعلامة المنير أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب (ت: 1341هـ بالهند) والشاعر حسين أبوبكر المحضار (ت:1420هـ بحضرموت) ومن الفنانين أبوبكر سالم بلفقيه وغيرهم من المبدعين.
وإلى حضرموت اليمن تعود جذور الانتماء للشيخ د. محمد بن عبود العمودي، ويشده الحنين إلى قيدون وريبون إلى مرابع الملك امرئ القيس، شاعر الحب والوفاء الجميل.. وفي لقاء أجرته مجلة «الأربعاء» الثقافية الفنية ونشر في 3 رمضان 1421هـ بالسعودية، مع الشاعر بن عبود، اتسمت إجاباته بشفافية تستشف منها الصفات الطيبة التي يتحلى بها شاعرنا الغنائي بن عبود العمودي، وعن سؤال «الأربعاء» حول علاقته بالمحضار وطلال مداح قال «الشاعر حسين المحضار علم من أعلام الشعر وله مكانة كبيرة في قلبي وكانت تربطني به علاقة حميمة جداً». وعن الفنان القدير طلال المداح يقول «طلال رمز من رموز الغناء في الوطن العربي ولا يمكن تجاهل مكانتهما (أي طلال والمداح) رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.. ما تنازلت به للفنان طلال مداح سيبقى باسم طلال ولو لم يقدم». وعن الفنان أبوبكر سالم بلفقيه «علاقتي بالفنان أبوبكر سالم بلفقيه، علاقة محبة وأخوة دائمة مبنية على أساس قوي من الصراحة والوضوح».. هذا هو الشاعر بن عبود، نجح بتوفيق من الله في أعماله الخيرة وأحد عباد الله في لجنة السقاية والرفادة بمكة المكرمة والمشاعر، في خدمة ضيوف الرحمن.
صدرت مجموعته الشعرية الأولى (نفحات الورود) عام 1419هـ، ومجموعته الثانية (سكن الليل) عام 1422هـ، إضافة إلى قصائد مسموعة وغنائيات ميزت قدرته على هندسة بناء النص الجميل ورسم اللوحات الموشاة بالزخرفة البلاغية والمحسنات البديعة وفي أجمل روائعه (سكن الليل) ومطلعها:
سكن الليلُ والأماني عِذابُ
وحنيني إلى الحبيب عذابُ
نقف هنا أمام لوحة في غاية الجمال والإحساس بعظمة الدلالات التي تحملها هذه الكلمات (والأماني عذاب) بكسر حرف (ع)، و(حنيني إلى الحبيب عذاب) بفتح حرف (ع) وهو جناس ناقص، أستحسن توظيف هذا الشكل ليمنحنا حرية التحليق على أجنحة من نور الأماني والحنين في لوحة من أروع ما جادت به قوافي الشعر الحسي والانسجام الموسيقي في (الليل) و(الحنين) لما تحمله من دلالات في غاية الإبداع.
أنا والشوق في الغرام ضحايا
سرق البعد عمرنا والغياب
هنا الصورة الجمالية المشبعة، أمامنا بجسامة التضحية (أنا والشوق في الغرام ضحايا) والشوق والشاعر(أنا) كلاهما ضحايا ذلك الغرام والحب المتلّب الباحث عن السعادة .. ويجتمع البعد والغياب في سرقة العمر، والجملة الخبرية سرق البعد والغياب عمرنا، و(سرق) فعل والفاعل (البعد) و(الغياب) ويحملان مدلولاً واحداً لمعنى البين والهجر، وبعد توجيه الاتهام إلى البعد والغياب نبحر مع الشاعر بن عبود فوق أمواج الصعاب وسط عاصفة الغربة في البيتين اللذين يتوسطان القصيدة (سكن الليل) المكونة من (14) بيتاً وهي قصيدة (قمر 14):
قدرٌ نهدر السنين سهارى
ليلنا غربةٌ فكيف المآبُ
قدرٌ نعشق الصعابَ ونمشي
في طريق به الشجاعُ يهابُ
تكرار كلمة (قدر) في البيتين لها وقع موسيقي ايقاعي مع(S) التوقف (فَعِلنْ) تأتي بعدها كلمة (نهدر) و(نعشق) بتوافق جميل تتصاعد فيه الاحاسيس بتكثيف لمعنى (السنين) و(الصعاب)، (سهارى) (نمشي) (ليلنا) (غربة)..
إنها استراحة المحارب - العاشق - ويناجي ابن عبود ويقترب من قول الشاعر البحتري:
«كم ليلة فيك بتّ أسهرها
ولوعة في هواك أضمرها
يا عَلْوَ علَّ الزمانُ يعقبُنا
أيامَ وصل نظلُّ نشكرها»
وطريق الصعاب الذي يهاب المشي فيه الشجاع، هو أكثر مشقة وعناء من خوض المعارك ومجابهة الموت، والشجاعة لا تكفي لتحمل عذابات البعاد والسهر والحنين للقاء المحبوب في مهرجان الفراشات بحلول الربيع. ويختتم بن عبود قصيدته (سكن الليل) بهذين البيتين:
وغداً تُنبتُ الرياض زهوراً
ويعود الهوى لنا والشبابُ
كلما طال بُعدنا زدت قرباً
يجمع الحرفُ بيننا والخطابُ
وهو يخالف معظم شعرائنا الذين يختمون قصائدهم باللقاء وإعلان الوصال وتبادل القبل.. والبعد عند بن عبود يزيده إصراراً وتمسكاً بحبه (زدت قرباً) و(الأماني عذاب) في بداية القصيدة هي التي تفجر في الشاعر نور اليقين وتفاؤله بالغد (وغداً تنبت الرياض زهراً)، وتلك الرياض التي ينشدها بعودة الهوى والشباب، وكيف يستطاب العيش في رياض بن عبود دون عودة الشباب ومرح الابتهاج بعطر الجمال وزهو النور والضياء وهي المروج والرياض القائل فيها بن عبود في قصيدة (مرّ عام):
وطيورُ الرّوضِ نغمتها
عن جميع الخلق تصرفني
تلعب الأشواقُ بي رفقاً
أنحني شوقاً فتوقفني
ألثمُ الزهرَ بلا وجلٍ
عطرها الزّاكي يلاطفني
ومن خلال هذه الصور والمشاعر في لوحات ومنمنمات ابن عبود أقف امام إمكانيات فنية وخيالات خصبة للتجربة الشعرية عند شاعرنا ابن عبود إضافة إلى ثقافته الواسعة الغنية بالمعرفة وعواطفه واشتعالات اشتياقاته لا يحدها مدى .. تعجز خيوط الضوء ومساراته أن تحصر دائرة حدود يقوى على الإبحار به في عالم الشعر إلا فحوله.
أما «النظّامون» وما يكتبونه «صف كلام» أقول لهم اقرأوا ما كتب عنكم ميخائيل نعيمة في كتابه (الغربال ) ص 88 (الطبعة السابعة - بيروت 1964): «أما عندنا فكل من ظن أنه شاعر لا يكاد ينظم أول قصيدة حتى ترى الجرائد والمجلات قد فتحت له صدرها». وقصيدتا (سكن الليل) و(مر عام) تمتازان بقوة المعاني والتصوير البلاغي والوحدة العضوية عن غيرهما من الغنائيات التي تضمنتها المجموعة الشعرية الثانية (سكن الليل) للشاعر د. محمد بن عبود العمودي، وهي لا تخلو من التطريب والغناء واشتعال الحب في مشاعر فنية جميلة وقوالب مزخرفة بروح الجمال.
[email protected]
وإلى حضرموت اليمن تعود جذور الانتماء للشيخ د. محمد بن عبود العمودي، ويشده الحنين إلى قيدون وريبون إلى مرابع الملك امرئ القيس، شاعر الحب والوفاء الجميل.. وفي لقاء أجرته مجلة «الأربعاء» الثقافية الفنية ونشر في 3 رمضان 1421هـ بالسعودية، مع الشاعر بن عبود، اتسمت إجاباته بشفافية تستشف منها الصفات الطيبة التي يتحلى بها شاعرنا الغنائي بن عبود العمودي، وعن سؤال «الأربعاء» حول علاقته بالمحضار وطلال مداح قال «الشاعر حسين المحضار علم من أعلام الشعر وله مكانة كبيرة في قلبي وكانت تربطني به علاقة حميمة جداً». وعن الفنان القدير طلال المداح يقول «طلال رمز من رموز الغناء في الوطن العربي ولا يمكن تجاهل مكانتهما (أي طلال والمداح) رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.. ما تنازلت به للفنان طلال مداح سيبقى باسم طلال ولو لم يقدم». وعن الفنان أبوبكر سالم بلفقيه «علاقتي بالفنان أبوبكر سالم بلفقيه، علاقة محبة وأخوة دائمة مبنية على أساس قوي من الصراحة والوضوح».. هذا هو الشاعر بن عبود، نجح بتوفيق من الله في أعماله الخيرة وأحد عباد الله في لجنة السقاية والرفادة بمكة المكرمة والمشاعر، في خدمة ضيوف الرحمن.
صدرت مجموعته الشعرية الأولى (نفحات الورود) عام 1419هـ، ومجموعته الثانية (سكن الليل) عام 1422هـ، إضافة إلى قصائد مسموعة وغنائيات ميزت قدرته على هندسة بناء النص الجميل ورسم اللوحات الموشاة بالزخرفة البلاغية والمحسنات البديعة وفي أجمل روائعه (سكن الليل) ومطلعها:
سكن الليلُ والأماني عِذابُ
وحنيني إلى الحبيب عذابُ
نقف هنا أمام لوحة في غاية الجمال والإحساس بعظمة الدلالات التي تحملها هذه الكلمات (والأماني عذاب) بكسر حرف (ع)، و(حنيني إلى الحبيب عذاب) بفتح حرف (ع) وهو جناس ناقص، أستحسن توظيف هذا الشكل ليمنحنا حرية التحليق على أجنحة من نور الأماني والحنين في لوحة من أروع ما جادت به قوافي الشعر الحسي والانسجام الموسيقي في (الليل) و(الحنين) لما تحمله من دلالات في غاية الإبداع.
أنا والشوق في الغرام ضحايا
سرق البعد عمرنا والغياب
هنا الصورة الجمالية المشبعة، أمامنا بجسامة التضحية (أنا والشوق في الغرام ضحايا) والشوق والشاعر(أنا) كلاهما ضحايا ذلك الغرام والحب المتلّب الباحث عن السعادة .. ويجتمع البعد والغياب في سرقة العمر، والجملة الخبرية سرق البعد والغياب عمرنا، و(سرق) فعل والفاعل (البعد) و(الغياب) ويحملان مدلولاً واحداً لمعنى البين والهجر، وبعد توجيه الاتهام إلى البعد والغياب نبحر مع الشاعر بن عبود فوق أمواج الصعاب وسط عاصفة الغربة في البيتين اللذين يتوسطان القصيدة (سكن الليل) المكونة من (14) بيتاً وهي قصيدة (قمر 14):
قدرٌ نهدر السنين سهارى
ليلنا غربةٌ فكيف المآبُ
قدرٌ نعشق الصعابَ ونمشي
في طريق به الشجاعُ يهابُ
تكرار كلمة (قدر) في البيتين لها وقع موسيقي ايقاعي مع(S) التوقف (فَعِلنْ) تأتي بعدها كلمة (نهدر) و(نعشق) بتوافق جميل تتصاعد فيه الاحاسيس بتكثيف لمعنى (السنين) و(الصعاب)، (سهارى) (نمشي) (ليلنا) (غربة)..
إنها استراحة المحارب - العاشق - ويناجي ابن عبود ويقترب من قول الشاعر البحتري:
«كم ليلة فيك بتّ أسهرها
ولوعة في هواك أضمرها
يا عَلْوَ علَّ الزمانُ يعقبُنا
أيامَ وصل نظلُّ نشكرها»
وطريق الصعاب الذي يهاب المشي فيه الشجاع، هو أكثر مشقة وعناء من خوض المعارك ومجابهة الموت، والشجاعة لا تكفي لتحمل عذابات البعاد والسهر والحنين للقاء المحبوب في مهرجان الفراشات بحلول الربيع. ويختتم بن عبود قصيدته (سكن الليل) بهذين البيتين:
وغداً تُنبتُ الرياض زهوراً
ويعود الهوى لنا والشبابُ
كلما طال بُعدنا زدت قرباً
يجمع الحرفُ بيننا والخطابُ
وهو يخالف معظم شعرائنا الذين يختمون قصائدهم باللقاء وإعلان الوصال وتبادل القبل.. والبعد عند بن عبود يزيده إصراراً وتمسكاً بحبه (زدت قرباً) و(الأماني عذاب) في بداية القصيدة هي التي تفجر في الشاعر نور اليقين وتفاؤله بالغد (وغداً تنبت الرياض زهراً)، وتلك الرياض التي ينشدها بعودة الهوى والشباب، وكيف يستطاب العيش في رياض بن عبود دون عودة الشباب ومرح الابتهاج بعطر الجمال وزهو النور والضياء وهي المروج والرياض القائل فيها بن عبود في قصيدة (مرّ عام):
وطيورُ الرّوضِ نغمتها
عن جميع الخلق تصرفني
تلعب الأشواقُ بي رفقاً
أنحني شوقاً فتوقفني
ألثمُ الزهرَ بلا وجلٍ
عطرها الزّاكي يلاطفني
ومن خلال هذه الصور والمشاعر في لوحات ومنمنمات ابن عبود أقف امام إمكانيات فنية وخيالات خصبة للتجربة الشعرية عند شاعرنا ابن عبود إضافة إلى ثقافته الواسعة الغنية بالمعرفة وعواطفه واشتعالات اشتياقاته لا يحدها مدى .. تعجز خيوط الضوء ومساراته أن تحصر دائرة حدود يقوى على الإبحار به في عالم الشعر إلا فحوله.
أما «النظّامون» وما يكتبونه «صف كلام» أقول لهم اقرأوا ما كتب عنكم ميخائيل نعيمة في كتابه (الغربال ) ص 88 (الطبعة السابعة - بيروت 1964): «أما عندنا فكل من ظن أنه شاعر لا يكاد ينظم أول قصيدة حتى ترى الجرائد والمجلات قد فتحت له صدرها». وقصيدتا (سكن الليل) و(مر عام) تمتازان بقوة المعاني والتصوير البلاغي والوحدة العضوية عن غيرهما من الغنائيات التي تضمنتها المجموعة الشعرية الثانية (سكن الليل) للشاعر د. محمد بن عبود العمودي، وهي لا تخلو من التطريب والغناء واشتعال الحب في مشاعر فنية جميلة وقوالب مزخرفة بروح الجمال.
[email protected]