> «الأيام» محمد الحيمدي:

الطلاب والمعلم كتلة واحدة في الفصل بعضهم فوق بعض
وتقع منطقة بخال في أرض سهلية تحيط بها الجبال من جميع الجهات، وتمر في أوديتها سيول الأمطار الآتية من مناطق الشمال عبر وادي بنا، الذي تتجمع فيه مياه الأمطار الغزيرة المنحدرة من أعالي جبال إب ومرتفعات دمت أثناء فصلي الصيف والخريف، مما يجعل المنطقة بواديها الخصب الذي تتنوع فيه المحاصيل الزراعية والخضار والفاكهة أوفر حظاً من غيرها من مناطق المديرية التي لا تتمتع بنفس مزاياها الطبيعية، غير أنه يجدر بنا الإشارة إلى أن معظم مساحات الوادي تظل للأسف جرداء في معظم شهور السنة بسبب اعتماد المنطقة على مياه الأمطار وعدم قدرة الأهالي فيها على شراء المضخات وآلات الحفر وإعادة إصلاح الأراضي التي جرفتها السيول.
عن هذه المشكلة والكثير من القضايا والهموم التي تعانيها هذه المنطقة، يتحدث الاستطلاع الآتي الذي حاورت فيه «الأيام» عددا من أبناء المنطقة.
وادي بخال
رافد اقتصادي مهم للمنطقة
> بداية تحدث التربوي الفاضل عبدالقادر صالح السقلدي قائلا: «بحسب تأكيدات العديد من الخبراء الذين زاروا المنطقة فإن وادي بخال الذي تصل مساحته الواسعة إلى آلاف الأفدنة يمكن أن يشكل بما يحتويه من مخزون كبير للمياه الجوفية إلى جانب ما تتميز به المنطقة من جو معتدل في فصلي الصيف والشتاء رافداً اقتصادياً مهماً للمنطقة فيما لو تم استثمار هذه الظروف والعوامل الطبيعية استثماراً جيداً وجرى توظيفها لصالح أهالي المنطقة وحتى الدولة من خلال إقامة نظام ري زراعي تساهم فيه الحكومة بإنشاء الحواجز المائية وبناء السدود ومساعدة المواطنين في توفير آلات الحفر والضخ وتزويدهم بالبذور والسماد وكل اللوازم الزراعية التي لا يستطيعون توفيرها أو شراءها بمفردهم من دون تعاون السلطة معهم».
ويقترح السقلدي في هذا الجانب إخراج مشروع مياه وادي بنا، الذي سبق أن أجريت الدراسة عليه منذ عدة سنوات، إلى حيز التطبيق لتموين المنطقة ومديرية الشعيب عامة بمياه الشرب والاستفادة منه لري الأراضي الزراعية، وكذا استكمال مشروع حاجز حدالة المتعثر منذ عدة سنوات، وهو من المشاريع المهمة لمنطقة بخال والقرى المجاورة لها.
> ويرى الأخ محمد طاهر جوبع أن مساعدة الدولة لهم في إقامة مثل هذه المشاريع تعد أمراً ضرورياً لمواجهة أعباء الحياة الجديدة التي فرضت عليهم قسراً، ويشعرون بتزايد ضغطها اليومي في شتى نواحي حياتهم المعيشية وبصورة تهدد بقاءهم وحياتهم، خاصة وأن معظم الأهالي لا يجدون مصدر دخل آخر غير اعتمادهم على الأرض وما تجود به من خيرات وثمار لهم ولحيواناتهم.
خدمات ضرورية غير متوفرة
> وعن الخدمات الضرورية التي تحتاجها المنطقة ولكنها غير متوفرة خاصة في الجوانب الاجتماعية والتعليمية والصحية تحدث التربوي القدير زكي محمد شائف قائلا بحرقة وبحزن شديدين: «إن المواصلات شبه مقطوعة عن المنطقة بسبب تعرض الطريق الوحيدة التي تربطها ببقية المراكز والمناطق الأخرى للتخريب المستمر والجرف أثناء مواسم الأمطار، ولولا جهود الأهالي وجمعية أبناء بخال الخيرية في إعادة إصلاحها ورصفها بالأحجار لانهارت تماماً، حيث يواجه الأهالي جراء ذلك صعوبة في نقل بضائعهم وإسعاف مرضاهم الذين تفتك بهم الإسهالات والملاريا وحمى التيفوئيد، وصارت وسيلة النقل الوحيدة لديهم هي الحمير التي أعادتهم إلى عصر الحمير بدلاً من عصر المركبات والسيارات والطائرات». مضيفاً أن المنطقة تفتقر أيضاً إلى الكثير من الخدمات الأخرى، ففيها مدرسة موحدة واحدة فقط قديمة بنيت في الخمسينات في عهد الاستعمار البريطاني آيلة للسقوط، حيث إن بعض فصولها بحاجة إلى ترميم والبعض الآخر غير صالح حتى للترميم، كما أنها لا تستطيع أن تستوعب العدد المتزايد للطلاب في كل عام، حيث وصل عددهم الحالي إلى أكثر من 500 طالب، الأمر الذي جعل إدارة المدرسة تدرّس بعض هؤلاء الطلاب في ساحة المدرسة تحت لفح حرارة الشمس والبرودة القاسية، وهنالك ثلاثة فصول دراسية خاصة بالمرحلة الثانوية هي الأخرى تعاني النقص في الكادر المتخصص، وعدم اكتمال طاقم التدريس فيها، وعدم توفر الوسائل العلمية والتطبيقية».
> أما عن الخدمات الموجودة فيقول الأخ سليم عبدالله بن عبدالله: «كان يوجد خط تلفون واحد فقط بتحويلة عبر المحافظة يقدم خدماته للمواطنين بأسعار خيالية، وقد تم قطع هذه الخدمة عن المنطقة نهائياً منذ عدة سنوات، كما توجد عيادة صحية بدون أدوية أو إسعافات أولية تؤدي دوراً شبه مشلول وبسيطاً جداً بفضل جهود الأهالي في عملية التطعيم واللقاح».
هذا جزء يسير جداً مما تعانيه منطقة بخال من هموم، بخلاف ما تواجهه المنطقة من مشكلات قبلية ومشاحنات أسرية بسبب تفاقم الأحوال المعيشية وتدني مداخيل الفرد في الحياة الحاضرة، حيث يقول في هذا الصدد الشخصية الاجتماعية عبدالكريم أحمد عبيد: «كان التعليم عندنا من قبل بالمجان والرعاية الصحية متوفرة والدعم الحكومي للمواطن موجود في كل السلع والمواد الضرورية، أما اليوم وبعد تحقيق الوحدة فنعاني متاعب كثيرة أسوأها تزايد حالات الاكتئاب النفسي بين أوساط الشباب بسبب انتشار الفقر وشيوع البطالة».

نموذج للفن المعماري الذي اشتهرت به منطقة بخال
شباب يحفرون في الصخر ويهزمون الفقر ويقهرون المحال
استشعاراً للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها معظم أبناء منطقة بخال الدارسين في الجامعات والمعاهد اليمنية والتي كادت أن تدفع بهؤلاء الشباب إلى قطع دراستهم بل إنها دفعت بأعداد منهم إلى عدم مواصلة دراستهم ملتجئين إلى الأعمال الحرة الشاقة ذات الأجر اليومي لإعالة أنفسهم وأسرهم الفقيرة.. استشعاراً بهذا الخطر الداهم الذي يهدد مستقبل المئات من هؤلاء الشباب الذين عرفوا بتفوقهم وحبهم الكبير للعلم تدافعوا وبادروا إلى تأسيس صندوق أسموه (صندوق دعم الطالب الجامعي) وقد نجحوا بالفعل في عملهم هذا بفضل دعم أبناء بخال جميعاً لهذه الفكرة النبيلة، وفي مقدمتهم الأخوة المغتربون والتجار، حيث استطاع هذا الصندوق أن يوفر لطلاب الجامعات في عدن وصنعاء ولحج والضالع السكن المناسب وبعض حاجاتهم الضرورية كالمأكل والمشرب والمواصلات وشراء بعض مستلزمات الدراسة والرسوم الجامعية، بل إنهم استطاعوا أن يجعلوا من هذا الصندوق منتدى ثقافياً وأدبيا واجتماعيا، حيث يعقد اجتماعات شهرية وفصلية وسنوية لمناقشة همومهم وأحلامهم، كما دأبوا على إصدار نشرة شهرية لسان حال الصندوق عن الشباب بخال تحت اسم (شباب المحولة)، وهو الاسم التاريخي القديم لمنطقة بخال، ينشرون فيها إبداعاتهم في الشعر والقصة والمقالة والخاطرة، وهذا العمل الذي أسسه هؤلاء الفتية ليس بغريب على أبناء هذه المنطقة فهم امتداد طبيعي للأجيال السابقة من أبناء بخال الذين عرفوا بالإباء والشجاعة والحكمة وحب العلم والتعليم، فكان منهم الشيخ الوطني الغيور والقائد العسكري والوزير والسفير والمحافظ والصحفي اللامع والطبيب الماهر والمحامي والأستاذ الجامعي، فلا عجب فهذا الشبل من ذاك الأسد.. إنهم حقا شباب يحفرون في الصخر ويهزمون الفقر ويقهرون المحال.
بخال مهد الأدب والثقافة
> وكان مسك استطلاعنا، لقاءنا التربوي والباحث علي محمد أسعد قحطان، الذي له اهتمامات بتاريخ هذه المنطقة لا سيما فيما يتعلق بشعرائها وعاداتها وتقاليدها، وله دراسات عديدة في ذلك، حيث قال: «بخال هي مهد الأدب والثقافة حيث عُرف أبناؤها منذ القدم بشغفهم بالأدب والعلم والثقافة، وتحديدا بالشعر، فبرز منهم العديد من الشعراء العظام والمبدعين حقا الذين لا يقل شعرهم مكانة وجودة عن أكبر الشعراء في اليمن، لكن نتيجة إهمال الدولة لهم وعدم توفر الوسائل المناسبة لإبراز شعرهم ظل محصورا في نطاق المنطقة» داعيا الجهات المسؤولة عن الشأن الثقافي إلى الاهتمام بهؤلاء الشعراء وجمع نتاجاتهم قبل أن تضيع وتختفي. بقي أن نقول إن منطقة بخال بحاجة إلى لفتة كريمة ووقفة مسؤولة من السلطة لتأخذ بيدها لتجاوز ما تعانيه من هموم ومشكلات ولمواجهة ضغط المعاناة المتزايدة في الحياة اليومية لأبنائها.