> «الأيام» فاروق الجفري:
مرض الشهرة هوس، وداء غريب الأطوار، يختلف من فنان مشهور إلى آخر، وأعراضه هي: التضخم في الذات، وارتفاع درجة الإحساس بالأهمية. أما أسباب المرض أو الهوس فلم يحصرها أحد بعد، ولكن من بينها على الأقل أن يقوم الفنان قبل أن يصاب بالهوس بعمل بلفت انتباه عدد كبير من الناس كأن يقوم بدور (صلاح الدين الأيوبي) أو غيره على خشبة المسرح فيصفق له الجمهور إذا كان ممثلاً أو ينشر كتاباً يتخاطفه القراء إذا كان كاتباً أو أديباً أو يرسم لوحة فنية وتكتب عنه الصحافة وتمدحه إذا كان رسَّاماً أو يغني في حفلة موسيقية ساهرة فيسعد الناس بصوته الجميل إذا كان مطرباً وهكذا. لقد كان الفنان المريض بالشهرة في الماضي بائساً في الحقيقة فلم يكن الناس قد عرفوا السينما ولا الإذاعة ولا التلفزيون أما اليوم في عصر السينما والإذاعة والتلفزيون والأقمار الصناعية بجانب الصحافة فقد أصبح الفنان المريض بالشهرة معذباً واسع البؤس لا يستطيع المشي في الشارع، أو دخول المحلات العامة، ومع ذلك فهناك نوع من الفنانين المرضى بالشهرة يحبون تعذيب أنفسهم، ومن هؤلاء مثلاً الرسَّام الفرنسي (كلود مونيه) فقد روى عنه صديقه الفنان (جان كوكتو) أنه يحب أن يسير في جنازة من يعرفه أو من لا يعرفه حتى يتصيده الصحافيون فينشرون في اليوم التالي أنه كان يسير في جنازة (فلان). وهذا الفنان المعذب لنفسه ينقل عدوى التعذيب إلى أقرب الناس إليه أحياناً، فقد روى الفنان (جان كوكتو) أيضا أن الفنانة الفرنسية (كوليت) المشهورة في زمانها اعتادت أن ترى صورتها منشورة من وقت لآخر على أغلفة المجلة (باري ماتش) وغيرها. وعندما ماتت شكا زوجها لصديقه (جان كوكتو) ذات مرة من أنه لم يعد يرى صورة زوجته على غلاف المجلات وأبدى حزنه على ذلك وكأنه من حقوق الفنانة (كوكيت) أن تنشر صورها المجلات حية وميتة . المهم أن المريض بالشهرة إذا تفرغ لمرضه أو بالهوس الذي أصيب به أثَّر ذلك في نوعية عمله الفني، وهذا ما حدث فعلاً لبعض المرضى بالشهرة فقد أصبح إنتاجهم الفني خالياً من أبسط المقومات الفنية .