> «الأيام» محمد عمر باجنيد:
آثر الحزن الكامن في الشرق أن يتخذ من حنجرة الموسيقار الراحل فريد الأطرش مكاناً للإقامة، بهدف التأكيد أن الحزن شرقي السمات.. وأن الشرق جزء من الأحزان وإن تعددت الأسباب والأوصاف إلا أن الهم واحد والحزن واحد والمعاناة مستمرة.
سواء أكان ذلك بقرار من الأمم المتحدة أم من صنع اللجنة الرباعية أم من إغلاق المعابر أم من مؤامرات دبرتها القوى الصهيونية والاستعمارية الغاشمة العاطلة عن العمل إلا من العمل في القضايا ذات الصلة بالشرق، والمقصود بالشرق الأمة العربية التي لا تصنع شرائح الكمبيوتر أو الهاتف المحمول وتستورد الأرز والقمح والقطن.
ارتبط صوت فريد الأطرش بحزن الرجل الشرقي (العربي) بل بالإنسان في الشرق منذ الأربعينات من القرن الفارط فكان صوته تعبيراً عن الجراح والأوجاع وكل هموم الرجل الشرقي المنكسر في السياسة والمتخلف في التنمية والجاهل بعلوم الاقتصاد والعاجز عن إتقان ربطة العنق الفرنسية أو إجادة أكل (المكرونة) بالشوكة والملعقة والفاشل في التعامل مع المرأة ككائن بسمع مرهف ومشاعر ناعمة.
الموسيقار فريد الأطرش ينحدر من عائلة أرستقراطية ذات أصول درزية، هاجر إلى مصر من موطنه في سوريا وتمكن من أن يكون أحد عمالقة الموسيقى والغناء العربي بفضل موهبته الفذة وإحساسه القوي بالموسيقى وتعبيراتها الإنسانية، وأراد أن يمارس السلوك الارستقراطي في وسط فني محكوم بمهارة لايجيدها فريد وهي العلاقات العامة، ولذلك استبعدته مديرة التليفزيون والإذاعة المصرية سامية صادق عن كثير من البرامج وتدخلت في منع أغنياته من البث بل وصل به سوء الحال إلى أن رفضت الإذاعة المصرية مساواته في الأجر بأجر موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، فغنى مجاناً للإذاعة، كما أنه لم يسلم من قلم الصحفي المشاغب محمود السعدني و(قفشاته) الظريفة القاسية التي يضحك منها القارئ ويبكي منها الموسيقار.
وقد لا يعلم الكثيرون أن التليفزيون لم يسجل من حفلات فريد الأطرش إلا حفلة واحدة بأمر من جمال عبدالناصر رئيس مصر في ذاك الزمان.
كل ذلك لم يمنع فريد الأطرش الذي رحل عن هذه الدنيا قبل ستة وثلاثين عاماً يوم السادس والعشرين من ديسمبر - لم يمنعه- من أن يكون صاحب أكبر أجر في السينما ونجمها الأول من خلال ريادته للأفلام الاستعراضية ونجاحه في المزج بين ألوان الغناء الشعبي والموسيقى المركبة حتى أن بعض النقاد يرون أنه قفز بالموسيقى الشرقية عشرات السنين بأغنيته (عدت يايوم مولدي).
ويبرز فريد كفنان له السبق في الغناء للعالم العربي من خلال الأوبريت الشهير (بساط الريح) الذي مزج ألوانا من الموسيقى القطرية العربية بمزاج صافٍ وكلمات جميلة وأداء أخاذ، وكان شديد الحب والولع بمصر وأعلن عن ذلك في أكثر من مناسبة منها حينما يقول في أوبريت (بساط الريح):
بساط الريح
أوام ياجميل.. أنا مشتاق لوادي النيل
أنا لفيت.. كثير ولقيت
البعد عليه يامصر طويل
والمناسبة الثانية عندما رجع إلى مصر بعد غيبة اضطرارية والتقى مصر الجميلة بأغنية جميلة عنوانها (سنة وسنتين):
سنة وسنتين
وأنت ياقلبي تقول أنا فين
رحت وتهت في أفراحك
وشفت النيل وعرفت أنا فين
يا مصر ياعمري يانور العين
الموسيقار فريد الأطرش كان يراهن على أنه المطرب العربي الأول وله الحق في ذلك، لأن موسيقاه كانت شرقية التصميم والإعداد والمغنى ولذلك اتسع حجم جمهور محبيه من الماء العربي إلى الماء العربي وليس لأنه حمل في صوته الوجع العربي، فمن أغنياته المعروفة (الربيع)، (أول همسة)، (يازهرة في خيالي)، (عش أنت) إلى سلسلة قائمة طويلة من الأغنيات وعدد غير قليل من الأفلام الاستعراضية التي ارتبط نجاحها باسمه.
إلا أن اللافت للاهتمام أن أغنيات فريد توقفت عن التداول بعد وفاته، فلم تجد من يعيد نشرها أو تجديدها أو حتى بثها فضائياً بالقدر الذي تحمله قيمتها الفنية أو بما يعادل معاناته أكثر من أربعين عاماً في الموسيقى والغناء.
هل لأنه كان حزينا بما فيه الكفاية والشرق لما يزل من ذلك الحين في حالة بكاء وحزن ولا يرغب أن يستمع إلى المزيد من البكاء..
أم أن لون فريد الغنائي كان من الألوان المبهرة في حينها ثم تنفجر إيذانا بإعلان النهاية؟ أم أن العرب يسمعون بأعينهم كما كان أجدادهم يعشقون بآذانهم فتشدهم البرتقالة (بدون صوت) وتجذبهم مرفقات (طي) مطربي الفيديو كليب؟؟
أم.. أن فريداً كان لعصر واحد.. وبس!!! وليس مثل عبدالحليم حافظ منافسه اللدود الذي يبدو أن فنه كان لأكثر من زمن ووقت وجيل!!!
سواء أكان ذلك بقرار من الأمم المتحدة أم من صنع اللجنة الرباعية أم من إغلاق المعابر أم من مؤامرات دبرتها القوى الصهيونية والاستعمارية الغاشمة العاطلة عن العمل إلا من العمل في القضايا ذات الصلة بالشرق، والمقصود بالشرق الأمة العربية التي لا تصنع شرائح الكمبيوتر أو الهاتف المحمول وتستورد الأرز والقمح والقطن.
ارتبط صوت فريد الأطرش بحزن الرجل الشرقي (العربي) بل بالإنسان في الشرق منذ الأربعينات من القرن الفارط فكان صوته تعبيراً عن الجراح والأوجاع وكل هموم الرجل الشرقي المنكسر في السياسة والمتخلف في التنمية والجاهل بعلوم الاقتصاد والعاجز عن إتقان ربطة العنق الفرنسية أو إجادة أكل (المكرونة) بالشوكة والملعقة والفاشل في التعامل مع المرأة ككائن بسمع مرهف ومشاعر ناعمة.
الموسيقار فريد الأطرش ينحدر من عائلة أرستقراطية ذات أصول درزية، هاجر إلى مصر من موطنه في سوريا وتمكن من أن يكون أحد عمالقة الموسيقى والغناء العربي بفضل موهبته الفذة وإحساسه القوي بالموسيقى وتعبيراتها الإنسانية، وأراد أن يمارس السلوك الارستقراطي في وسط فني محكوم بمهارة لايجيدها فريد وهي العلاقات العامة، ولذلك استبعدته مديرة التليفزيون والإذاعة المصرية سامية صادق عن كثير من البرامج وتدخلت في منع أغنياته من البث بل وصل به سوء الحال إلى أن رفضت الإذاعة المصرية مساواته في الأجر بأجر موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، فغنى مجاناً للإذاعة، كما أنه لم يسلم من قلم الصحفي المشاغب محمود السعدني و(قفشاته) الظريفة القاسية التي يضحك منها القارئ ويبكي منها الموسيقار.
وقد لا يعلم الكثيرون أن التليفزيون لم يسجل من حفلات فريد الأطرش إلا حفلة واحدة بأمر من جمال عبدالناصر رئيس مصر في ذاك الزمان.
كل ذلك لم يمنع فريد الأطرش الذي رحل عن هذه الدنيا قبل ستة وثلاثين عاماً يوم السادس والعشرين من ديسمبر - لم يمنعه- من أن يكون صاحب أكبر أجر في السينما ونجمها الأول من خلال ريادته للأفلام الاستعراضية ونجاحه في المزج بين ألوان الغناء الشعبي والموسيقى المركبة حتى أن بعض النقاد يرون أنه قفز بالموسيقى الشرقية عشرات السنين بأغنيته (عدت يايوم مولدي).
ويبرز فريد كفنان له السبق في الغناء للعالم العربي من خلال الأوبريت الشهير (بساط الريح) الذي مزج ألوانا من الموسيقى القطرية العربية بمزاج صافٍ وكلمات جميلة وأداء أخاذ، وكان شديد الحب والولع بمصر وأعلن عن ذلك في أكثر من مناسبة منها حينما يقول في أوبريت (بساط الريح):
بساط الريح
أوام ياجميل.. أنا مشتاق لوادي النيل
أنا لفيت.. كثير ولقيت
البعد عليه يامصر طويل
والمناسبة الثانية عندما رجع إلى مصر بعد غيبة اضطرارية والتقى مصر الجميلة بأغنية جميلة عنوانها (سنة وسنتين):
سنة وسنتين
وأنت ياقلبي تقول أنا فين
رحت وتهت في أفراحك
وشفت النيل وعرفت أنا فين
يا مصر ياعمري يانور العين
الموسيقار فريد الأطرش كان يراهن على أنه المطرب العربي الأول وله الحق في ذلك، لأن موسيقاه كانت شرقية التصميم والإعداد والمغنى ولذلك اتسع حجم جمهور محبيه من الماء العربي إلى الماء العربي وليس لأنه حمل في صوته الوجع العربي، فمن أغنياته المعروفة (الربيع)، (أول همسة)، (يازهرة في خيالي)، (عش أنت) إلى سلسلة قائمة طويلة من الأغنيات وعدد غير قليل من الأفلام الاستعراضية التي ارتبط نجاحها باسمه.
إلا أن اللافت للاهتمام أن أغنيات فريد توقفت عن التداول بعد وفاته، فلم تجد من يعيد نشرها أو تجديدها أو حتى بثها فضائياً بالقدر الذي تحمله قيمتها الفنية أو بما يعادل معاناته أكثر من أربعين عاماً في الموسيقى والغناء.
هل لأنه كان حزينا بما فيه الكفاية والشرق لما يزل من ذلك الحين في حالة بكاء وحزن ولا يرغب أن يستمع إلى المزيد من البكاء..
أم أن لون فريد الغنائي كان من الألوان المبهرة في حينها ثم تنفجر إيذانا بإعلان النهاية؟ أم أن العرب يسمعون بأعينهم كما كان أجدادهم يعشقون بآذانهم فتشدهم البرتقالة (بدون صوت) وتجذبهم مرفقات (طي) مطربي الفيديو كليب؟؟
أم.. أن فريداً كان لعصر واحد.. وبس!!! وليس مثل عبدالحليم حافظ منافسه اللدود الذي يبدو أن فنه كان لأكثر من زمن ووقت وجيل!!!