> ​أحمد رجب


كتاب «يوم من حياة كاتب» يتضمن مقالات تكشف عادات وطقوس عدد كبير من الروائيين المتحققين، إضافة إلى خبراتهم في كيفية التقاط الأفكار ومواجهة المآزق.
“إن الكاتب الذي لا يكتب منتظرا تحقق الظروف المثالية للكتابة، سوف يموت دون أن يكتب كلمة واحدة”، هذه المقولة تعلي من قيمة الجهد المطلوب من الكاتب بذله على قيمة الطقوس المطلوب توافرها لتيسير عملية الكتابة. فعلى الكاتب أن يوفر لنفسه الظرف المناسب لا أن ينتظر تحققه، فبيده وحده جعل يومه مثاليا للكتابة، وعن ذلك اليوم استكتبت الغارديان البريطانية عددا من الكتاب، أدلوا بشهادات إبداعية عن عاداتهم مع الإبداع، ضمن سلسلة شهيرة عنوانها “روتين الكتابة”، اختار المترجم علي زين تسعا وخمسين منها، ضمها معا في كتابه “اليوم المثالي للكتابة”، الصادر حديثا عن منشورات تكوين الكويتية.

 وترجع أهمية ترجمة هذه المقالات إلى أمرين، أولهما اطلاعنا مباشرة على عادات وطقوس عدد كبير من الروائيين المتحققين، وإتاحة خبراتهم في كيفية التقاط الأفكار ومواجهة المآزق التي قد تحدث خلال الكتابة، أما الثاني فيتمثل في الجديد الذي تقدمه، فأغلب الذين استكتبتهم الغارديان روائيون مميزون فازوا بجوائز أدبية كبيرة لكنهم غير معروفين لدى القارئ العربي.

الروائي والسيناريست الاسكتلندي وليام بويد (1952) يرى أن معظم الكتاب مثل القبرات يستيقظون مبكرين ويخمدون عند الظهر بينما هو ينتمي إلى فئة البوم فلا ينام إلا بعد طلوع الصباح، و«عقله الكاتب” لا يعمل بفعالية إلا في النصف الثاني من اليوم. لذلك فهو يخصص ساعات الصباح لقضاء شؤون الحياة العادية، وبعد الغداء يبدأ يومه فعليا، ويذكر بويد أنه عندما بدأ في كتابة روايته الأولى عندما كان شابا، كان يستطيع الكتابة لسبع أو ثماني ساعات متصلة أما الآن وبعد خمس عشرة رواية صارت طاقته تنفد بعد ثلاث ساعات فقط. لكنه يكتب يوميا إن استطاع.

أما الجامايكي كاي ميلر (1978) صاحب الروايات العشر والجوائز الخمس - منها بوكاس للأدب الكاريبي 2017 عن روايته العاشرة “عبور نهر بابل”، والبريكس 2018، عن الترجمة الفرنسية لها- فيقول “فترات الكتابة المثلى لا تأتي بطريقة منتظمة، فقد يحدث أن تمتد لأيام عديدة، من العاشرة ليلا حتى الخامسة صباحا، فأنام نوما قلقا أستيقظ منه بعد ساعات لأواصل الكتابة. لا أحبذ مكانا بعينه للكتابة، فقد أكتب على الكمبيوتر في حجرة مكتبي أو عبر اللاب توب وأنا مستلق على السرير”.

أغلب الروائيين ممن وصفهم بويد بالقبرات يصحون مبكرين، فالبريطاني “جوناثان كو” (1961) يصف الأيام التي يكتب فيها بأنها تفتقر إلى السمات الأساسية لباقي الأيام، فهي أيام بلا شكل محدد ولا تضبطها بنية ما، فلا يوجد في الأيام التي يمارس فيها الكتابة يوم يشبه الآخر، فقد يبدأ في الخامسة صباحا ويمكن أن يستمر في الكتابة لاثنتي عشرة ساعة، وقد تكون مدته ثواني قليلة تراوده فيها فكرة خاطفة لكتابة رواية، “قد أكتب في حجرة مكتبي الفسيحة، لكن أحب الأماكن العامة الصاخبة، فإذا ركزت جيدا في عملك فإن الأصوات من حولك ستتلاشى تماما”.

كذلك مواطنه هاورد جاكوبسون (1942)، يقول “أستيقظ مثل راهب في السادسة صباحا، أعدّ الشاي ثم أتوجه فورا إلى طاولة الكتابة، ولا أغادرها إلا بعد أن تتورم عيناي. يوم الكتابة يشير ضمنيا إلى أن هناك أياما لا تصلح للكتابة ولا وجود لتلك الأيام، لست مقيدا بحد أدنى من الكلمات، ولا مجبرا على خطة ما، ولا أعمل على مسودات. لا توجد طريقة صائبة إلى الأبد، علمتني تجاربي أن كل أثر أفرغ من إنجازه سيغير طقوسي، لقد أمضيت أوقاتا ممتعة من السادسة صباحا حتى السادسة مساء في تركيز مكثف ممتع”.

وأخيرا يذكر الليبي الذي يكتب بالإنكليزية والفائز بثلاث جوائز عالمية هشام مطر -وهو من مواليد نيويورك 1970، ومقيم في لندن- أن الأسطورة هي أن تستمر في فعل الشيء العادي يوميا، لتحدث الأشياء غير العادية بعد ذلك، يقول “أكتب عددا من أفضل أعمالي وأنا في الحافلة، أو أثناء المشي فأتوقف وأدون سطرا مرق في رأسي بسرعة كالفراشة، ثم أعود إلى مكتبي، وأنا عادة ما أصحو منذ السادسة صباحا وأظل أكتب لنحو عشر ساعات”.