الأربعاء, 18 يونيو 2025
1,356
في مشهد يبدو صاخبًا على الشاشات لكنه هادئ خلف الكواليس، تتبادل إيران وإسرائيل الرسائل النارية، بينما الحقيقة المرة تشير إلى أن ما يُعرض كصراع هو في جوهره تبادل أدوار، لا أكثر.
فمنذ سنوات، تتكرر مشاهد القصف والرد، التصريحات والتهديدات، دون أن تخرج عن نطاق مدروس بعناية، لا يهز أمن إسرائيل، ولا يُسقط نفوذ إيران. إنه صراع بالتوقيت، لا بالعقيدة… وشراكة في تثبيت الفوضى أكثر من كونها مواجهة حقيقية.
وسط هذه اللعبة الكبرى، الشعوب العربية وحدها تدفع الثمن.
اليمن نموذج حي: الشمال في قبضة جماعة مسلحة مرتبطة بطهران، تُقدَّم كقوة مقاومة بينما هي أداة تفاوضية، والجنوب يواجه أزمة اقتصادية خانقة، وفساد متراكم، وقيادات عاجزة عن فرض واقع يعيد الثقة والأمل.
في الجنوب، المواطن مهدد بالجوع، والعملة تنهار، والأسعار تشتعل، بينما تظل الإدارات بلا إصلاح، والرقابة غائبة، والمجلس الانتقالي يكتفي بالتحذير دون قرارات حاسمة.
وكل هذا يحدث بينما الإعلام الدولي منشغل بالحوثي والضربات على صنعاء، وكأن الشعب اليمني الجنوبي خارج سياق المعاناة.
في العمق، يبدو أن خلاصة "الصراع الإيراني-الإسرائيلي" قد حُسمت مبكرًا، ونتيجته تخدم بالدرجة الأولى أمن إسرائيل واستمرار تفوقها في المنطقة، بدعم واضح من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
فالغرب لا يريد إنهاء الصراع، بل يريد صراعًا متوازنًا يبرر وجوده العسكري والسياسي والاقتصادي في المنطقة.
إيران تؤدي دور "العدو المفيد"، بينما إسرائيل تُمنح الغطاء الكامل لتوسيع نفوذها، وتحقيق ما يُعرف بمشروع "إسرائيل الكبرى" بلا تكلفة تُذكر.
أما خارطة المنطقة فتُرسم بقوة، وبلا مشورة شعوبها.
مصر تُستنزف اقتصاديًا، سوريا أُفرغت من القرار، لبنان والعراق يغرقان في أزمات مركّبة. كل ذلك ضمن مشروع قديم متجدد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالح القوى الكبرى، لا وفق تطلعات الناس.
نحن أمام مسرحية كبرى، عنوانها العداء، ومضمونها التفاهمات الخفية.
أما الضحايا فهم المواطنون العرب، الذين لا يملكون قرار الحرب ولا السلام، ولا حتى الحق في صياغة مستقبلهم.
ختاما كلمة جنوبية:
إذا أراد الجنوب أن ينجو من هذا العبث، فعليه أن يبدأ من الداخل: إصلاح، قرار مستقل، مؤسسات حقيقية، وجرأة في مواجهة الفساد.
أما الاستمرار في المراوحة والانتظار، فلن يُنتج إلا مزيدًا من الألم، في ظل صراع ليس صراعنا، بل لعبة نُستخدم فيها كبيادق على رقعة لا نملكها.