> تقرير/ هشام عطيري


أي ثورة تنطلق من مكان ما في العالم تضع في أولويات مهامها مسألة الحفاظ على المعالم والمواقع التاريخية والأثرية في المناطق والمدن التي تسيطر عليها، لأن تلك المواقع والمعالم لا تتبع شخصا أو جهة محددة، بل هي تاريخ لشعب بأكمله.

معالم لحج التاريخية
في لحج توجد هناك العديد من المعالم التاريخية التي تعد شاهدة على زمن ازدهرت فيها الثقافة والسياسة والأدب وغيرها من المجالات، لكنها اليوم لم تعد كذلك، نتيجة تعرضها للإهمال والتخريب ولم تجد الاهتمام للحفاظ عليها، ومنها قصر دار الحجر أو ما كان يطلق عليه قصر السلطان العبدلي، الشبيه إلى حد كبير بقصر برمنجهام الشهير في لندن، يقع بمدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج، وكانت أمور السلطنة العبدلية تدار من داخل ذلك القصر الذي يعد المركز الرئيسي لسلاطين لحج.

صورة لجزء من القصر
صورة لجزء من القصر

قصور العبادل وبداية التدمير
بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 67م وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية تعرض قصر الحجر وغيره من القصور التي تم تشييدها إبان حقبة السلطنة العبدلية في لحج لأعمال نهب وسلب طالت كل الممتلكات بتلك القصور، ولم نقتدِ بإخوتنا في مدينة حضرموت الذين حافظوا على كل شيء في قصر السلطان القعيطي ليصبح متحفا تاريخيا ومعلما سياحيا يأتي إليه السواح والزوار من كل حدب وصوب.

انهيار جزئي للقصر
انهيار جزئي للقصر

بعد ذلك وبخطوات غير مدروسة تحول قصر الحجر وغيره من قصور السلطنة العبدلية إلى مبنى مجمع حكومي ضم عددا من المرافق والإدارات الحكومية لتتقاسمه «إدارة المحافظة، محكمة الشعب والمليشيا الشعبية».

من معالم سياحية إلى مساكن
القصور العبدلية بحوطة لحج كانت خلال العقود الماضية قبلة السائحين حيث كانت المدينة تعج بالسواح والزوار لقصر دار الحجر الذي أدرجته شركات السياحية ضمن برامجها السياحية، لكن هذا الوضع انتهى ولم يظل على ما هو عليه، وتحول قصر الحجر وغيره من القصور العبدلية   
إلى مساكن لمواطنين ومبنى للإذاعة وفروع لبعض الاتحادات الإبداعية، وازدادت حالة تدهور القصور حدة بعد حرب 2015م حيث زاد عدد الساكنين فيها وبخاصة من النازحين الذين تهدمت منازلهم وتضررت جراء الحرب ولم تضع السلطات المحلية حلولا لهم.   


تحرك لإعادة التأهيل لم يكتمل
قبل الحرب كانت هناك تحركات جدية للسلطة المحلية بمحافظة لحج لإعادة تأهيل قصر الحجر وغيره من القصور العبدلية، وذلك بعد مطالبات مجتمعية من قبل شخصيات اجتماعية وثقافية وأدبية ومواطنين للاهتمام بهذه المباني ومعالجة قضايا الساكنين فيها، حيث تم حينها تشكيل لجنة ضمت عددا من المختصين برئاسة صالح سريع، وكيل المحافظة، لتقوم بدراسة وضعية القصر لتحويله إلى معلم تاريخي، ووضع الحلول المناسبة لإخلاء الساكنين فيه، إلا أن هذه اللجنة لم تكمل عملها وتوقفت دون معرفة أسباب توقفها.

بعض الادوار العليا لقصر
بعض الادوار العليا لقصر

وحاليا أصبح قصر دار الحجر مهددا بالانهيار في أي لحظة، خاصة وأن أجزاءه الغربية والجنوبية قد تعرضت للأضرار وانهارت أجزاء منها جراء الأمطار ومياه الصرف الصحي التي لا تجد أي تصريف لها في القصر.

العشوائيات تشوه قصر العبادل
لم يسلم القصر من البناء والإضافات العشوائية حيث قام بعض الساكنين بعملية البناء بمواد حديثة لبعض مواقع في القصر شوهت منظرة، فيما آخرون قاموا بعملية البناء بمحاذاته وملتصق به ليزيد من التشويه لهذا المنظر الجمالي وسط صمت مطبق من قبل الجهات الحكومية التي لم تحرك ساكنا تجاه ما يحدث للقصور العبدلية التي تعتبر جزءا من التاريخ قد ينتهي بأي لحظة جراء تصرف طائش.

بناء مستحدث بجانب القصر
بناء مستحدث بجانب القصر

ما هو المطلوب للمعالجة؟   
رغم ظروف الحرب التي تشهدها البلاد عامة ومدينة لحج خاصة إلا أن هذا الوضع لا يمكن أن يغفل ما آلت إليه القصور العبدلية من تدهور وإهمال تستدعى تحرك جدي من قبل السلطة المحلية لإعادة تشكيل لجنة متخصصة تضع الخطط والمشاريع اللازمة لإعادة تأهيل تلك القصور والحفاظ عليها، لتبقى معلما تاريخيا للمحافظة، وفي نفس الوقت اقتراح المعالجات والحلول المناسبة لوضع الساكنين في تلك القصور، خاصة وأن مشروع حديقة الأندلس، والتي يتم العمل به حاليا من قبل أحد المنظمات الداعمة، هو الواجهة لهذا القصر العبدلي التاريخي الذي يجب أن يعاد ترميمه وتأهيله عبر سعي السلطات المحلية بالمحافظة للبحث عن جهات داعمة.

مدخل القصر
مدخل القصر

إننا ندمر تاريخ وتراث لحج
اليوم وضع القصور العبدلية في حالة يرثى لها وتحتاج إلى تحرك رسمي وشعبي لإعادة الاعتبار لها حتى لا نجد خلال العقود القادمة شيئا نحدث به الأجيال القادمة عن تلك المعالم والمواقع التاريخية سوى تقديم الاعتذار للسلاطين العبادل، ونقول لهم بأننا لم نحافظ على التاريخ والتراث الزاهر للحج عموما ولحقبة السلطنة العبدلية بوجه خاص، بل تحولنا إلى أداة لتدمير ذلك التاريخ والتراث.​

خاص «الأيام»