> تقرير خاص

خلّفت الحرب الدائرة في اليمن، لأكثر من أربع سنين، أرقاماً مخيفة تكشف عن أزمة إنسانية وكارثة وصحية، فيما لا يزال الخطر الأبرز الذي يخشاه اليمنيون هو انهيار العملية التعليمية التي ستنعكس سلباً على كل مناحي الحياة في المستقبل القريب.
وفي ظل استمرار الحرب يدفع المعلمون ثمناً باهظاً يجعل من أداء رسالتهم بالجودة المطلوبة أمراً معقداً، حيث يعيش أكثر من 170 ألف معلم ومعلمة دون مرتبات لأكثر من عام حسب بيانات أممية.

وتحت شعار «اليوم العربي لمكافحة الأمية» تحتفل الدول العربية بتاريخ 8 يناير من كل عام كيوم عربي لمناقشة الخطط والبرامج والأنشطة الرسمية والشعبية برفع مستوى التعليم ومحو الأمية ونسب انخفاضها.

انتكاسة في التعليم
وأوضحت المنظمة العربية للتربية والثقافة (الالكسو) أن ما يزيد عن (13,5) مليون طالب لم يلتحقوا بالتعليم النظامي على مستوى الوطن العربي.. لتبلغ نسبة الأمية 21 ٪ على مستوى العالم، مبينة أن «20 ٪ رسبوا في المدارس بفعل الظروف الاقتصادية والنزوح والحرب المدمرة لعدد من المدارس وعسكرة أخرى وبالذات في سوريا واليمن وليبيا التي طالتهم موجات الثورات التي شهدتها المنطقة».

ومنذ العام 2015م شهدت العملية التعليمية في بعض البلدان العربية انتكاسة كبيرة وفق تقارير تنموية عربية.
وعلى المستوى الوطني وصلت الأمية إلى مستويات قياسية نتيجة الحرب الدائرة وانقسام العملية التعليمية بين المتصارعين.

فأصبح ما يزيد عن ثلاثة ملايين طفل خارج نظام التعليم، منهم أكثر من مليون منذ بدء الحرب المستعرة في اليمن، وهو ما يجعلها تتربع على قائمة الدول العربية لانتشار الأمية.

بيئة طاردة للتعليم
وأكد تربويون لـ «الأيام» أن الحرب أثرت على التعليم وشكّلت بيئة طاردة لا جاذبة للتعليم على نحو جعل الأمية تجد طريقها للانتشار بعد أن تمكنت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م من محاربتها.
ومع استمرار الحرب التي دخلت العام الخامس على التوالي فإن ثلاثة مليون ونصف المليون تعثروا في استكمال تعليمهم للعام 2018-2019م.

وأجبرت الظروف الاقتصادية، التي تمر بها الأسرة في البلاد، إلى إخراج أبنائهم من المدارس لاسيما في مناطق سيطرة الحوثيين، والدفع بهم للجبهات بهدف الحصول على مبلغ زهيد من المال لسد جوع أسرهم.
وبحسب تربويين، فإن المليشيات اعتمدت سياسة التطفيش للطلاب عن التعليم وتشجيعهم للانضمام لجبهات القتال، ونتيجة لهذه السياسية فقد بلغ الطلاب الذين لم يلتحقوا بالتعليم العام الماضي بسبب الظروف الاقتصادية نحو 78 %.

وما يزال آلاف المعلمين يعملون بدون مرتبات بعد انقطاعها وعدم الاتفاق على آلية لصرفها وحقوقهم المنقطعة لأكثر من عامين.

استبدال المعلمين
وقامت سلطات التعليم بمناطق سيطرة الحوثيين باستبدال المعلمين الأساسيين بآخرين متطوعين لا يمتلكون أدنى مؤهلات لتغطية العجز والفراغ الذي تركه المعلمون المحتجين لعدم صرف رواتبهم، أو بدلاً عمن غادروا مناطقهم إلى المناطق المحافظات المحررة.
ولعبت أساليب التمييز والممارسات العنصرية الحوثية دورًا كبيرًا في زيادة عزوف المعلمين، عن أداء واجبهم التربوي والتعليمي تجاه الطلاب، إذ يقوم الانقلابيون بتخصيص سلة غذائية شهرية للمعلمين المتطوعين ممن حلوا محل المعلمين الأساسيين في أسلوب اعتبره التربوي، عبده الحيمي، أسلوباً حقيراً ينمو عن عنصرية الجماعة ومنهجيتها في إيجاد الفوارق والطبقات بين المجتمع اليمني وبين فئة المعلمين بوجه خاص، وهو ما زاد الأحقاد والكراهية تجاههم.

وخلال الفترة الماضية، تعمد الحوثيون على تعطيل صرف «اليونيسيف» لمبالغ مالية كمساعدة الكادر التربوي والتعليمي بمناطق سيطرتها بذريعة أن الآلية التي وضعتها المنظمة الدولية خارجة عن سيطرتها.
ويسعى الانقلابيون للسيطرة على المساعدات المقدمة بهدف فرض خصميات منها استقطاعات غير قانونية فضلاً عن حرمان للمئات ممن رفضوا العمل والتدريس لعدم التزامهم بصرف رواتبهم أو جزء منها بحسب اتفاقات سابقة أجريت معهم عبر النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية التي تم طرد واعتقال بعض أعضاء مكتبها التنفيذي.

انهيار التعليم
ويشير مختصون إلى أن «وضع الأطفال في اليمن كارثي بكل المقاييس، حيث أهدرت معظم حقوقهم بسبب الحرب والصراعات منذ سنوات».
وأكد تربويون في أحاديث لـ «الأيام» بأن التعليم في عموم اليمن فيما فيها المحافظات يعيش أسوأ مراحلة، وفي حالة انهيار مستمر.

ونتيجة ذلك تقول إحصاءات: «إن أكثر من ثلاثة ملايين طفل فقدوا حقهم في التعليم، فيما لا يتلقى طلاب المرحلتين الأساسية والثانوية الحد الأدنى من التعليم بسبب عدم صرف مرتبات المعلمين».
ويؤكد طلاب في عدد من مدارس صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين لـ «الأيام» أن العام الدراسي الماضي والحالي لم يتلقوا فيهما تعليمًا جيدًا، وأن معظم أيامه كانت لعب وفوضى.

ويشير تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إلى أن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس وصل إلى مليوني طفل، وثلاثة أرباع معلمي المدارس الحكومية لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من عام، ما يهدد بشكل خطير تعليم 4,5 مليون طفل يمني.

المستقبل المظلم
وأشارت ممثلة يونيسيف في اليمن، ميريتشل ريلانيو، إلى أن «جيلاً كاملاً من الأطفال في اليمن يواجهون مستقبلاً مظلماً بسبب محدودية خدمات التعليم أو عدم توافرها، وحتى الملتحقين بالمدارس لا يحصلون على التعليم الجيد الذي يحتاجونه».
وفي السياق، يؤكد مختصون في جهاز محو الأمية بصنعاء، توقف أنشطة مراكز محو الأمية وتعليم الكبار في مناطق سيطرة الانقلابيين بسبب ظروف الحرب، وتوقف التمويل سواء من المنظمات أو من سلطة الأمر الواقع للحوثيبن، الأمر الذي انعكس على الوضع التعليمي وزاد من معدلات الأمية.

قنبلة موقوتة
وقال الأكاديمي طاهر البعداني: «إن ما يحدث في المجال التعليمي يؤسس لمرحلة سوداء مقبلة ستكون قنبلة موقوتة لها تأثيرها على مختلف مناحي الحياة في اليمن».
واعتبر، في تصريحه لـ «الأيام»، أن ما خلفته الحرب في البلاد حتى الآن يعد جريمة تجاه الجيل الحالي الذي يُحرم من حقه في التعليم سواء بالتوقف أو التوقيف والانقطاع، أو الخروج عن الأهداف المرسومة، وتسميم عقول الطلاب بما لا يفيد مستقبلهم، بل ينعكس سلباً على البلد بشكل كامل، ويشكل إرهاقاً وإعاقة لأي عملية بناء أو تطوير مستقبلية.

وأتهم البعداني «الأطراف المتحاربة في اليمن بعدم تحييد المؤسسات التعليمية عن الصراع، والتخلي عن المسؤولية تجاه المقدمين على التعليم، ومن ثم لا تدور العملية التعليمية على كامل عجلاتها، وإن كانت مستمرة في الشكل فهي متوقفة في المضمون، وما يجري الآن هو عبارة عن تلقين روتيني، وبحث عن شهادة، دون مراعاة لأي معايير في جودة التعليم وأهمية مخرجاته».
ويشير إلى أن «معظم المدارس التي تستمر في التعليم يشكو الطلاب فيها من غياب متكرر للمعلمين، وتقليص ساعات الدراسة، وضغط العام الدراسي، دون مراعاة استيعاب الطلاب للمناهج».

وأضاف: «في أي مكان بالعالم يتضرر التعليم من جراء الحروب، لكن في اليمن كانت ثلاث سنوات من الحرب، واستهداف المدارس والطلاب، وإيقاف مرتبات المعلمين، كفيلة بإعادة التعليم إلى الوراء لسنوات لن يكون من السهل تعويضها سريعاً».