> مايكل هورتون
█ الاستيلاء على الحديدة لن يفعل شيئا ولن يصنع سلاما حقيقيا
صادف 26 مارس الفائت، نهاية السنة الرابعة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. ولم تسفر السنوات الأربع من القصف الجوي المُدمر وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات إلا عن القليل من النتائج بالنسبة للتحالف العسكري بقيادة السعودية والإمارات. حيث ظل الحوثيون يحتفظون بالسيطرة على الشمال الغربي. وتحولت معظم أجزاء اليمن إلى إقطاعيات متناحرة يسيطر عليها عدد متزايد من الفصائل المُسلحة.
مقدمة
أنهى تدخل التحالف في اليمن عامه الرابع في مارس. كان الهدف من التدخل، الذي تم تسويقه كـ «عملية عاصفة الحزم»، هو أن لا تستغرق العملية العسكرية أكثر من بضعة أسابيع. تم إطلاق الحملة العسكرية ظاهرياً من أجل كبح التقدم الذي حققته جماعة الحوثيين في اليمن وإعادة حكومة اليمن المعترف بها دولياً إلى السلطة.
لكن مضت أربع سنوات، ولم تحقق «عاصفة الحزم» أياً من أهدافها المُعلنة على الرغم من مليارات الدولارات التي أُنفقت وآلاف القنابل التي سقطت. فمازال الحوثيون يسيطرون على معظم شمال غربي اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء. في حين بقيت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاجزة إلى حد كبير وهي لا تزال في المنفى، في السعودية.
إن تورط القوى الخارجية والتدفق الهائل للأموال والأسلحة، ومعظمها من دولة الإمارات ومن السعودية، جعل ما بدأ كحرب أهلية أكثر تعقيداً وعنفاً. تواجه اليمن الآن مجموعة من النزاعات المعقدة التي من شأنها ضمان استمرار الحرب لسنوات أطول، إن لم يكن لعقود، يسودها عدم الاستقرار والقتال منخفض الحدة. وفي الوقت نفسه أقحمت كل من السعودية والإمارات نفسيهما في دولة لها تاريخها المعروف بتجفيف خزائن الإمبراطوريات والقوى الأقل منها نفوذا بالإضافة إلى إحباط طموحاتها.
صراعات معقدة
ما يزال السعودية التحالف غارقاً في حرب معقدة مضى عليها أربعة أعوام في اليمن وليس هناك أي بوادر تدل على رغبته في التراجع.
أولاً وقبل كل شيء، هناك تنافس بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والفصائل التي تدعمها ضد الحوثيين. الهدف من هذه المعركة الخاصة، التي تطغى على غيرها من المعارك، هو شل قوات الحوثيين وإجبارهم على التراجع إلى معاقلهم التقليدية حيث يمكن احتواؤها.
الصراع الثالث يحرض الجماعات السلفية المتشددة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ضد قوات الأمن التي تدعمها الإمارات وبعض الميليشيات الانفصالية الجنوبية.
هذه الصراعات الأربعة متشابكة وتعزز بعضها البعض، ويغذيها وجود قوى خارجية والأموال والأسلحة التي توفرها تلك القوى. قام التحالف بإغراق اليمن بأسلحة بمليارات الدولارات التي تتراوح بين العربات المدرعات والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
ونظراً لتحالفهم مع أفضل القوات المدربة والمجهزة في الجيش اليمني -أي الحرس الجمهوري- فإن الحوثيين ما زالوا مجهزين بأسلحة من جميع الأنواع، كما أن الحوثيين يغتنمون كميات كبيرة من العتاد بشكل روتيني وما لا يمكنهم الحصول عليه يقومون بشرائه من سوق الأسلحة المزدهر في اليمن.
لقد عززت النزاعات في اليمن النخب القديمة وأنتجت جيلاً جديداً من النخب التي تتنافس جميعها لصالح رعاتها ومن أجل إرضائهم، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. هذا يعني أن معظم القادة الذين يمثلون عدداً كبيراً من الفصائل والجماعات المسلحة في اليمن لديهم مصلحة في استمرار النزاعات، وهذا يعني أيضاً أن معظم قادة الجماعات المسلحة ليس لديهم اهتمام كبير بالمشاركة في أي شيء عدا القتال المحدود، لأنه يُمِّكنهم من الاحتفاظ بالرجال والأسلحة والمال، وهي الأشياء التي تضمن لهم القوة وبسط النفوذ.
أحزاب وفصائل
تكاثرت الفصائل في اليمن وحولتها إلى خليط من الجماعات المتحاربة، وحدث هذا بتشجيع ودعم كبير من قبل السياسات السعودية والإماراتية في اليمن، وهي أيضا تعمل على إحباط عملية إنشاء قوة قتالية موحدة فعالة مثل أن يكون هناك جيش وطني فعال، حيث أنه لو وجدت قوة موحدة ذات قيادة واضحة فلابد أنها ستتمكن من استعادة مساحة كبيرة من الأراضي التي في حوزة الحوثيين. وقد كانت استعادة الأراضي من الحوثيين وإلحاق الهزيمة بهم في النهاية هي الهدف المُعلن عنه من شن الحرب السعودية والإماراتية على اليمن.
وبالمثل، فإن الهجوم الأوسع ضد الحوثيين يعاني من نقص مماثل في التعاون والتنسيق بين قوات الأمن والجماعات المسلحة. هذه الجماعات المسلحة وقوات الأمن والوحدات المُعاد تشكيلها من الجيش اليمني مدعومة بأشكال مختلفة من قبل الإماراتيين والسعوديين. ومع ذلك، قليل جداً هو ذلك الأمر الذي يوحد هذه القوات في أمر القتال ضد الحوثيين أو التوقف عنه. تُعارض العديد من هذه القوى بعضها البعض وترمي الواحدة منها إلى بلوغ أهداف تختلف تماماً عن الأهداف التي ترمي الجماعة الأخرى إلى بلوغها..
هؤلاء الانفصاليون يديرون سلسلة من السلفيين الذين يريدون إقامة إمارة إسلامية في الجنوب للانفصاليين الداعين لإعادة استقلال جنوب اليمن العلماني. والآن وبعد أن تم إخراج الحوثيين من جنوب اليمن، كما يوصف تقليدياً، فإن الكثير من هذه الجماعات المسلحة ليس لديها مصلحة كبيرة في خوض المعارك ضد المقاتلين الحوثيين على أرضهم في شمال اليمن، وهم بدلاً من ذلك، يركزون على تعزيز سيطرتهم على الأراضي والموارد في الجنوب.
تستخدم السعودية هذه الميليشيات والوحدات العسكرية لفتح جبهة ثانية في شمال اليمن في معاقل الحوثيين في كل من صعدة وحجة. ومع أنه تم تحقيق بعض المكاسب، إلا أن هذه المكاسب نادراً ما يتم توحيدها بسبب مقاتلي الميليشيات الذين يتنقلون داخل الخطوط الأمامية وخارجها وفقاً لمطالب وأوامر القادة المحليين. هؤلاء القادة يقومون بسحب المقاتلين بصورة منتظمة بسبب عدم دفع السعودية الأموال لهم والشروط غير الملائمة، بالإضافة إلى الهجمات الحوثية المضادة الحازمة.
والسلفيون المتشددون هم خليط ما بين قوات الأمن والجماعات المسلحة في الشمال والجنوب، وكثير منهم ما زالوا موالين لفرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. هؤلاء المقاتلون، وخاصة القدامى منهم، يتم تقديرهم لخبراتهم وعزيمتهم، وهي صفات تفتقر إليها الجماعات المسلحة.
من حلفاء إلى أعداء
تُعتبر هذه الفصائل وبال على اليمن، فهي تقوض الجهود السعودية والإماراتية الهادفة لهزيمة الحوثيين. ويُعزى الجزء الأكبر من التنافس بين هذه الفصائل إلى ازدياد التنافس بين السعودية والإمارات داخل اليمن.
ففي حين أن الهدف الصريح لكلا البلدين هو احتواء الحوثيين، وبالتالي إحباط الطموحات الإيرانية المزعومة في اليمن، إلا أن هناك مجموعة من الأهداف السرية التي تسعى الدولتان إلى بلوغها، إذ يريد كلا البلدين تأمين مناطق نفوذهما الخاصة في اليمن.
ركزت دولة الإمارات على تأمين مجال نفوذ يشمل معظم جنوب اليمن. هذا هو السبب في أنها تدعم الجماعات المسلحة التي تتكون في المقام الأول من الانفصاليين الجنوبيين الذين يريدون استقلال جنوب اليمن.
كان الجنود الإماراتيون والمستشارون الذين توظفهم دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة المنظمين للهجوم على الحديدة. الإمارات العربية المتحدة، وليس السعودية، هي الأكثر نشاطاً على أرض الواقع في اليمن. كان أداء القوات البرية الملكية السعودية (RSLF) سيئاً في النزاع، وكانت بعض الوحدات العسكرية غير موثوق بها تماماً من قبل الحكومة السعودية، أي أن ضعف القوات البرية السعودية جعل المملكة العربية السعودية تركز معظم جهودها على حملة القصف الجوي الفتاك الذي دمر جزءاً كبيراً من البنية التحتية في اليمن.
تحاول المملكة العربية السعودية الآن تأسيس موطئ قدم لها في أقصى شرق محافظة المهرة اليمنية. تتميز هذه المحافظة بعدد سكانها القليل، ولها حدود مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، ولها ساحل طويل على امتداد بحر العرب، والأمر الأكثر أهمية هو أن إنشاء خط أنابيب عبر المهرة سيتيح للمملكة العربية السعودية منفذاً آخر لتصدير النفط يتخطى مضيق هرمز الذي تُهدد إيران مراراً وتكراراً بإغلاقه.
هذا فضلاً عن كون الإمارات والسعودية مشتركتين في نوع جديد من الخطط الضخمة في اليمن. وغنائمها هي عبارة عن عقارات إستراتيجية ومواردها. وفي حين لا تزال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حليفتين، إلا أن طموحاتهما المتنافسة في اليمن تهدد بتدمير العلاقات الجيدة بين البلدين. الأمر المؤكد هو أن دعمهما لعدد متزايد باستمرار من الفصائل والميليشيات في اليمن لن يفعل الكثير لتحقيق هدفهما العلني المتمثل في هزيمة الحوثيين والقضاء على النفوذ الإيراني. وبدلاً من ذلك، ستضمن سياساتهما تلك بقاء الحوثيين في الشمال الغربي حيث قد يصبحون أكثر عرضة للنفوذ الإيراني.
وجهة نظر
بينما تواجه اليمن سنوات من صراع ذو مستوى منخفض، يظل هناك بصيص من الأمل. لم يكن هجوم العام 2018 على الحديدة بمثابة فشل كامل، وقد قامت القوى المدعومة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بممارسة ضغط كبير على الحوثيين، تمكنت جميع الأطراف، على الأقل لفترة من الزمن، من القول بأن استمرار المعركة من أجل الحديدة سيكون مكلفاً للغاية بالنسبة لقواتهم، وأيضا كي لا يقولوا شيئاً عن الخسائر الفادحة التي سيتكبدها حوالي 600 ألف من سكان المدينة.
وعلى الرغم من الخروقات العديدة، إلا أن الاتفاق لا يزال ساري المفعول. ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن القوات المدعومة من السعودية والإماراتية تستعد لهجوم متجدد على مدينة الحديدة.
من المحتمل أن تكون المعركة المتجددة من أجل الحديدة دون ضغط مستمر على جميع الأطراف من قبل المجتمع الدولي. والمدنيون هم من سيدفع الثمن غالياً، تماماً مثلما دفعوه خلال السنوات الأربع الماضية.
إن الاستيلاء على الحديدة لن يفعل شيئاً لإحلال السلام والاستقرار في اليمن، وبدلاً من ذلك، سيؤدي الاستيلاء على المدينة إلى تفاقم ما تم تصنيفه كأخطر أزمة إنسانية في العالم من خلال زيادة تقييد الواردات الغذائية الحيوية، ومن المحتمل أيضاً أن تزداد الفصائل التي اُبتليت بها اليمن الآن حيث تتنافس الميليشيات والوحدات العسكرية وقوات الأمن المختلفة فيما بينها من أجل السيطرة على الحديدة والبنية التحتية المربحة لها.
وبالطبع لن تخف النزعات في اليمن على المدى الطويل، إلا بعد أن تتوقف القوى الخارجية -وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- عن تمويل وتجهيز عدد من الفصائل المتزايدة باستمرار، حيث سيؤدي وقف الدعم الخارجي إلى تعطيل الطبيعة المعقدة لصراعات اليمن أكثر من أي شيء آخر.