> علي محمد تمام
(أن تكون حماراً في هذا الزمن خير لك من أن تكون ثوراً) .. قد تستفز هذه العبارة مشاعرك أيها القارئ الكريم، ولكننا في زمن اختلط حابله بنابله وصالحه بطالحه، فاسده بشريفه وقبل أن أدافع عن هذه العبارة دعني أسرد لك قصة قرأتها تؤكد أن المصلحة الشخصية مقدمة على أي مصالح أخرى: "يقال إنه في أحد الأزمان وهب الله الفلاح الفقير حمدان نعمة معرفة أسرار كلام الحيوان وكان لديه حمار وثور، وبينما هو ذاهب ذات يوم ليضع الطعام والشراب للثور والحمار سمع صوت الثور يتحدث إلى الحمار قائلا: كل يوم نراك في هذا المكان نظيفا ًأنيقاً تأكل من الشعير أطناناً وتظل تلهو وتلعب دون أن يذوق ظهرك طعم العصا، فهنيئا لك، أما أنا وا حسرتاه أكاد أموت من التعب مثلك تماماً تكاد تموت من الراحة !.
كف الحمار عن الضحك، وهمس في أذن الثور قائلا: سأدلك على فعل خطير مهم لو فعلته سوف ترتاح ولا تعمل ولا تتعب وتصبح مثلي تأكل الشعير.
قال الحمار: اسكت ولا تثرثر بالكلام.. عند الصباح حينما يضعوا في رقبتك الحبال واللجام تمدد على الأرض وأغمض عينيك وأخرج لسانك، وإذا ضربوك تجلد واستمر في الحيلة حتى يظنوا أنك مريض وصحتك عليلة.
وجاء الصباح وامتدت أشعة الشمس في الحقول.. راح حمدان يجر الثور الذي بدأ في تنفيذ الحيلة.. حاول تحريكه لكن الثور تجمد على الأرض، فوضع له الطعام والشراب، ثم قال الفلاح بصوت مسموع: طالما الثور مريض وتعبان فلا مانع من أخذ الحمار ليعمل بدلاً منه حتى يتم الله شفاءه.. فأصفر وجه الحمار وكاد يغشى عليه من هول المفاجأة، واغتاظ بينما الثور تمدد على الأرض في سكون تام.
وذهب الحمار للحقل وعمل بدلاً من الثور.. وعندما عاد نال منه التعب قدراً كبيراً، وأخذ يرفس بقدميه ويقترب من الثور الذي يرقد على الأرض بعد أن أكل وشرب.. فهمس له الثور شاكراً وأعطاه بعض الفول والشعير الذي أخفاه له خصيصاً نظير فعلته الكريمة.. وأخفى الحمار غيظه وقال بخبث: لقد سمعت اليوم نبأ سيئا للغاية، سمعت الفلاح يقول لزوجته سأذبح الثور قبل أن يموت أو أجنب نفسي خسارة طعامه وشربه..
وإن عدنا للمقولة بعد هذه القصة سنتأكد أننا في واقع قد تبدلت فيه المواقف، وأصبحت المصلحة الشخصية هي المرتكز في العلاقات بين الناس، فنجد المسؤول يسلك أي طريق ليصل لأهدافه الشخصية وبكل الوسائل والناس أمامه إما أن تكون حميراً أو ثيران!.