> محمود الطاهر
█ ربيع السودان والجزائر والعقوبات الأمريكية تنسي المجتمع الدولي حرب اليمن
يبدو أن الحرب والقضية اليمنية تتجه نحو النسيان بسبب الأحداث الجارية في المنطقة، سواء ما يجري في السودان أو الجزائر أو المستجدات فيما يخص العقوبات الأمريكية على إيران أو الخلافات التركية الأمريكية بشأن شراء أنقرة منظومة الدفاع الروسية S - 400.
ومنذ 13 من ديسمبر 2018، حيث اتفاقية ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية الموالية لإيران برعاية الأمم المتحدة، بتسليم أسرى الحرب والمعتقلين اليمنيين وانسحاب المليشيات الحوثية من موانئ الحديدة، لم يجد أي بند من ذلك الاتفاق أي ثقب من خلاله يمكن لليمنيين أن يروا النور سوى مزيد من التسويف والوعود الكاذبة من الحوثيين وصناعة الوهم من المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس، وصل الأمر إلى وقف المفاوضات بشكل شبه نهائي، بعد أن توقف اجتماع اللجان الخاصة فيما يخص الجانب الإنساني أو الجانب السياسي.█ خلفية عن الاتفاق
في الـ13 من شهر ديسمبر 2018 أعلن أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة في ستوكهولم توصل الأطراف اليمنية إلى اتفاق بشأن الحديدة وتعز وتبادل الأسرى، وهو إعلان يبدو أنه كان مفروضًا من الأمم المتحدة لتجبر الحوثيين على القبول بالأمر الواقع، وهو ما يشير إلى عدم معرفة الأمم المتحدة بالمليشيات الحوثية أو بالقضية في اليمن.
إذ تعتقد الأمم المتحدة أن الحرب في اليمن هي حرب وصراع على السلطة دون أن تفهم ما يجري في حقيقة الأمر، وهو الصراع الطائفي في المنطقة، بدليل ما يحدث من تغيير ديموغرافي للأرض والإنسان والدين الإسلامي بالمناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية وتحول مسار الإسلام الصحيح إلى المسار الشيعي المتطرف.
وينص اتفاق السويد على تسليم مرافئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى الإدارات التي كانت تتولى الإشراف عليها قبل وصول الحوثيين في نهاية 2014، وإعطاء دور للأمم المتحدة في إدارة هذه المرافئ، وهو يبدو جوهريًا اتفاقًا سياسيًا لإحلال السلام، ويتماشى مع قوانين النزاعات السياسية في الدول التي تشهد خلافات على السلطة أو النزاعات الحدودية بين البلدان، لكن واقعيًا قبلت به المليشيات الحوثية ليتماشى مع خططها وأهدافها بعيدة المدى.
لا يوجد في نص الاتفاق الذي نشرته الأمم المتحدة أي جدول زمني لانسحاب المليشيات الحوثية الموالية لإيران من الحديدة، سوى ما هو محدد بالمرحلة الأولى من تنفيذ اتفاقية السويد خلال 15 يومًا والثانية خلال 21 يومًا من بداية الاتفاق كتحديد رمزي وليس ملزمًا للمتفقين على تنفيذه وهو ما شجع المليشيات الحوثية بالتمرد على هذا الاتفاق، وتسعى لتعديل بعض بنود الاتفاق لصالحها، إضافة إلى أن عدم تحديد موعد زمني يأتي ضمن أهداف الأمم المتحدة التي تستفيد من أي أزمة في المنطقة.
وتنص المرحلة الثانية من إعادة الانتشار في الحديدة على انسحاب كل القوى العسكرية من كل أنحاء المدينة، إلا أن سكانًا في الحديدة قالوا إن الحوثيين لم يكونوا يومًا بهذه الكثافة في المدينة، والعديد منهم ارتدوا بزات خاصة بقوى أمنية تابعة لأجهزة مختلفة، وهو ما يشير إلى أن المليشيات الحوثية استغلت الهدنة المفروضة من الأمم المتحدة في الحديدة، لتعزيز وجودها العسكري استعدادًا لجولة جديدة من الحرب.
لكن الحوثيين أعلنوا يوم الـ29 من ديسمبر 2018، إعادة انتشار قواتهم في محافظة الحديدة اليمنية وتسليم موانئ الحديدة لقوات موالية لهم، وأبلغوا الأمم المتحدة بذلك، وطالبوا القوات الوطنية في محافظة الحديدة، بتسليم أيضًا المواقع التي سيطروا عليها لقوات موالية للحوثيين،غير أن الحكومة اليمنية اعتبرت تلك الخطوة محاولة للالتفاف على اتفاقية ستوكهولم، وتنصل من الحوثيين منها، وهو ما يبدو واضحًا من خلال تفسيرات الحوثيين، وفقًا للبند رقم 13 من الاتفاقية المبرمة بين المليشيات الحوثية والحكومة اليمنية برعاية الأمم المتحدة في ستوكهولم.
يقول البند 13: «تقع مسؤولية أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على عاتق قوات الأمن المحلية وفقًا للقانون اليمني، ويجب احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، بما فيها المشرفين (لا يفهم في هذا البند عن أي مشرفين يتحدث عنهم، هل يقصد مشرفي المليشيات الحوثية أم مشرفين من الدولة اليمنية، مع العلم أن في الوظيفة العامة للدولة اليمنية لا يوجد مسمى وظيفي يحمل هذا المصطلح)».
█ معرقلو الاتفاق
منذ بدء الهدنة الإنسانية في الحديدة فعليًا بتاريخ الـ18 من ديسمبر 2018، ارتكب الحوثيون أكثر من 3 آلاف خرق للهدنة وفقًا لبيانات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إضافة إلى حشد مقاتلين والاستمرار في تحصين المدينة وحفر الخنادق، وهو ما يعني أن الحوثيين يستعدون لجولة جديدة من القتال.
تقول الحكومة اليمنية في رسائل احتجاجية متواصلة للأمم المتحدة التي تشكو خروقات المليشيات الحوثية، إن قواتها تتعرض بشكل يومي لقذائف الهاون (عادة ما تكون قذائف هاون ثقيلة من عيار 120 ملم) 300 مرّة اعتبارًا من 2 يناير وحتى 4 أبريل، فضلاً عن 66 هجومًا بصواريخ «كاتيوشا» و20 هجمات بمدافع الـ»هاوتزر».
ووفقًا لبعض التقارير، تم إطلاق قذيفتين من المدفعية الثقيلة «بدر - 1» على مقر للتحالف في 21 من ديسمبر والـ6 من أبريل 2019 على مقر اجتماع لجنة إعادة الانتشار، وهو انتهاكٌ قد يتطلب تواطؤ القيادات الرفيعة المستوى والمسؤولة عن هذا النظام الإستراتيجي للأسلحة، كما تشير بعض التقارير إلى أن الحوثيين شنّوا أيضًا 200 هجوم ببنادق رشاشة ثقيلة عيار 14.5 ملم و12.7 ملم، و12 بقذائف صاروخية، و8 بمدافع مضادة للطائرات عيار 23 ملم، وأكثر من 200 عملية بأسلحة قناصة ونيران أخرى.
بذلك يكون الحوثيون قد انتهكوا وقف إطلاق النار بمعدّل 20 هجومًا في اليوم اعتبارًا من 2 من يناير، وامتنع التحالف طيلة الفترة السابقة عن الرد على النيران، وهذا يعني أن التحالف اختار مواصلة وقف إطلاق النار من خلال إظهار ضبط النفس خلال الفترة الماضية بدلاً من اللجوء إلى اتخاذ خطوات استباقية أو الانتقام أو الدفاع عن النفس، لكن ذلك لن يدوم طويلًا طالما أن الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأممي فشلت في إقناع المليشيات الحوثية بتنفيذ بند واحد من اتفاق السويد.
استغل الحوثيون أيضًا فترة وقف إطلاق النار لزيادة تحصيناتهم العسكرية بشكل كبير في مدينة الحديدة، على عكس مقتضيات «اتفاق ستوكهولم» والقرار رقم 2451، فقبل 18 من ديسمبر، كان هناك 157 خندقًا للحوثيين في المدينة، إلّا أنه تم حفر ما يزيد على 50 خندقًا جديدًا ابتداءً من 2 من يناير - وهذا تدعمه صور جوية تم تقديمها إلى الأمم المتحدة من التحالف العربي والحكومة اليمنية.
تشير الأدلّة المقنعة المقدَّمة إلى الأمم المتحدة إلى أن الحوثيين ينتهكون بشكلٍ صارخ قرار الأمم المتحدة رقم 2451 و «اتفاق ستوكهولم» واتفاقها الخاص بالحديدة، وهو ما يعني أن الحوثيين ليسوا مستعدين للالتزام بأي قرار دولي سابق أو حاليّ أو قادم، وأنهم ماضون فقط لتنفيذ خططهم المرسومة لهم من إيران، وهو إسقاط المحور السني واستبداله بالمحور الشيعي في المنطقة.
وسبق هذا الإجراء أيضًا قيام المليشيات الموالية لإيران بنهب وثائق موظفي الخدمة المدنية وتزويرها بإحلال موظفين مواليين للحوثيين بدلًا من الموظفين الأصليين من أبناء محافظة الحديدة للتحايل على اتفاق السويد والقرار الأممي 2451، وهو ما يعني أن البلاد قادمة على أزمة سياسية وعسكرية أشد مما هي عليه الآن.
█ معارك جديدة وأهدافها
وفقًا لمعلومات من داخل الجماعة الحوثية، فإن المليشيات بدأت بإستراتيجية جديدة في الحرب بأوامر من الحرس الثوري الإيراني تمهيدًا لعملية عسكرية لاستعادة ما خسروه في الحديدة.
وتكمن هذه الخطة وفقًا لأحد القادة الميدانيين للمليشيات الحوثية الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، بأن تبدأ الجماعة بتدشين العام الخامس بإطلاق صواريخ بالستية بشكل يومي على المملكة العربية السعودية، وإرسال طائرات الدرونز المفخخة إلى أراضي المملكة، مع فتح جبهات أخرى لاستنزاف القوات الحكومية وإشغال ألوية العمالقة عن الحديدة.
يبدو أن إشعال الحوثيين لجبهات عدة والهجوم على المحافظات الجنوبية، له هدف محدد وهو صرف النظر عن الحديدة، في الوقت الذي عملوا على تجميد المحادثات السياسية بشأنها، ورفض المقترحات التي يقدمها المبعوث الأممي مارتن جريفيثس أو رئيس لجنة إعادة الانتشار في الحديدة الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، وهي مراوغة منهم مؤقتة قد نجد تحقيق أهدافها خلال المرحلة القادمة.. إذًا ترى المليشيات الموالية لإيران أن الهجوم على المناطق والمحافظات المذكورة في السطور السابقة، سيكون له نتائج عديدة، أولها تجميد الحوار السياسي بشأن اتفاقية السويد، وهو ما يمكنهم من الاستفادة منها بشكل أكبر سواء في الجانب المادي أم في مجال تهريب الأسلحة الإيرانية عبره، وثانيها تمكنهم من الاستعداد التام وتحصين مواقعهم بشكل متقن لشن هجوم جديدة على المقاومة الوطنية المشتركة، وثالثها السيطرة على الساحل الغربي بشكل كامل بعد أن يكونوا قد حققوا هدفهم في استنزاف المقاومة الوطنية المشتركة الموجودة في الساحل الغربي، وهذا ما يعني تقوية نقاطهم التفاوضية بشأن ملف الحديدة.
للحكومة اليمنية فرصة أخيرة للتكفير عن ذنبها في سكوتها وصمتها عن سقوط حجور، في العمل مع القبائل الأخرى وزرع الثقة بها لديهم التي تكاد أن تنعدم بسبب السياسة الحكومية معهم، واستغلال الخلاف القائم بين القبائل اليمنية والمليشيات الحوثية، وكذلك دعم قبائل محافظة العود التي أصدرت بيانًا طالبت أبناء المنطقة بالانتفاضة ضد المليشيات الحوثية.
هل تعي الحكومة اليمنية أن هدوءها ومرونتها الزائدة مع اتفاقية ستوكهولم، وكذلك هل يدرك الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أن باستمرار سيطرته على الحكم منفردًا يسدي خدمة للحوثيين وسياستهم دون أن يدرك؟!