> «الأيام» خاص
قال الله تعالى: "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا
أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي
ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ" ( البقرة : 17)
وقد حكى هذا
الذي قلناه فخر الدين الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال : والتشبيه هاهنا
في غاية الصحة ؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا
ذلك النور فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين .
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
قلت : وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع ، في قوله تعالى : ( فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) وهذا أفصح في الكلام ، وأبلغ في النظام ، وقوله تعالى : (ذهب الله بنورهم ) أي : ذهب عنهم ما ينفعهم ، وهو النور ، وأبقى لهم ما يضرهم ، وهو الإحراق والدخان ( وتركهم في ظلمات ) وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق ، ( لا يبصرون ) لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها.
[ يقال : مثل ومثل
ومثيل - أيضا - والجمع أمثال ، قال الله تعالى :( وتلك الأمثال نضربها
للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] .
وتقدير هذا المثل :
أن الله سبحانه ، شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى ، وصيرورتهم بعد
التبصرة إلى العمى ، بمن استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها
وأبصر بها ما عن يمينه وشماله ، وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره ،
وصار في ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدي ، وهو مع ذلك أصم لا يسمع ، أبكم لا
ينطق ، أعمى لو كان ضياء لما أبصر ؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل
ذلك ، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضا عن الهدى ،
واستحبابهم الغي على الرشد . وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ،
كما أخبر عنهم تعالى في غير هذا الموضع ، والله أعلم .
وزعم
ابن جرير أن المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات ، واحتج
بقوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم
بمؤمنين ) [ البقرة : 8 ] .
والصواب : أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم
وكفرهم ، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ، ثم سلبوه وطبع على
قلوبهم ، ولم يستحضر ابن جرير - رحمه الله - هذه الآية هاهنا وهي قوله
تعالى : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) [
المنافقون : 3 ] ؛ فلهذا وجه [ ابن جرير ] هذا المثل بأنهم استضاءوا بما
أظهروه من كلمة الإيمان ، أي في الدنيا ، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة .
قال
: وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد ، كما قال : ( رأيتهم ينظرون إليك تدور
أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت )[ الأحزاب : 19 ] أي : كدوران عيني الذي
يغشى عليه من الموت ، وقال تعالى : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [
لقمان : 28 ] وقال تعالى : ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل
الحمار يحمل أسفارا ) [ الجمعة : 5 ] ، وقال بعضهم : تقدير الكلام : مثل
قصتهم كقصة الذي استوقد نارا . وقال بعضهم : المستوقد واحد لجماعة معه .
وقال آخرون : الذي هاهنا بمعنى الذين كما قال الشاعر :
قلت : وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع ، في قوله تعالى : ( فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) وهذا أفصح في الكلام ، وأبلغ في النظام ، وقوله تعالى : (ذهب الله بنورهم ) أي : ذهب عنهم ما ينفعهم ، وهو النور ، وأبقى لهم ما يضرهم ، وهو الإحراق والدخان ( وتركهم في ظلمات ) وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق ، ( لا يبصرون ) لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها.