> إعداد/ صديق الطيار
رمضان مدرسة الأخلاق، ومجمع المكارم، وملتقى الفضائل ولكن آفة عدد من
الصائمين أنهم لا يدركون هذه الأسرار، أو قد تغيب عنهم أشياء من حكم
الصيام، ودعونا نقف اليوم مذكرين أنفسنا بشيء من هذه المعاني للصيام
وارتباطها بتقوية القيم ومحاسن الأخلاق.
فثمة حكم وأسرار وتأثيرٌ للصيام في بناء الأخلاق الفاضلة لمن تأمل وحفظ الصيام.
فلا يصوم رياءً ولا سمعة ولا مجرد تقليد للصائمين بل يصوم مخلصا لله راجيا لثوابه.
إن الصوم معاشر الصائمين عبادة خفية وسر بين العبد وربه ولهذا قال بعض العلماء: إن الصوم لا يدخله الرياء بمجرد فعله وإنما يدخله الرياء من جهة الإخبار عنه، بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها. وفي الصوم درس عملي للصبر ليس في الامتناع عن أكل أو شرب ما حرم الله، بل وعن ما أحل الله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وفي ذلك ترويض للنفس وتهذيب للغرائز، وطرد للجشع والطمع،
ومن يُطعم النفس ما تشتهي *** كمن يُطعم النار جزل الحطب
لا بل إن الصيام يدرب الصائم على الصبر في تحمل الأذى والحلم والصفح لمن أساء إليه مكتفيا بالقول "إني صائم".
أيها
الصائمون: أما أثر الصيام في الخوف والرجاء ـ وهما جناحان لا بد للمرء أن
يطير بهما إلى الله ونعيم الآخرة ـ فالصائم يخاف ربه وحده في الحفاظ على
صيامه، وهو يرجوه وحده في المثوبة على صيامه وإذا كان الصائم إنما يصوم
إيمانا بالله فلا شك أن الإيمان خوف ورجاء، خوف من عذاب الله ورجاء رحمته
وطمع في جنته وهكذا يحقق الصائم المحتسب منزلتي الخوف والرجاء، ولا شك أن
الصوم من بواعث الخوف، و محفزات الرجاء، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء
فهو المؤمن الموحد.
إي وربي إن الصائم في رمضان مع ما تعظم عنده من
خوف الله يعظم عنده الرجاء وهو يسمع \" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر
له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من
ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
أيها
الصائمون: أما خُلق (المراقبة) فالصيام يزكيه وينشطه ذلكم أن الصائم يمسك
عن المفطرات كلها ـ الحسي منها والمعنوي ـ طيلة النهار فتراه أمينا على
نفسه رقيبا عليها، متمثلا هيبة مولاه، ومقدرا رقابته عليه واطلاعه على كل
حركاته، فلا يخطر بباله أن يخرم صيامه ولو توارى عن الأعين، بل هو متواطئ
أن الله يراه حيث كان وتلك منزلة الإحسان العظمى، وثمرة المراقبة في شهر
الصيام
وكم يحتاج المسلم إلى أن يربي نفسه على مراقبة الله دائما
والعارفون يقولون "لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله إلا أحسن الله فيما
بينه وبين الناس، والضد بضده" ويقولون عن أثر المراقبة" إن للخلوة تأثيرات
تبين في الجلوة، كم من مؤمن بالله - عز وجل - يحترمه عند الخلوات فيترك ما
يشتهي حذرا من عقابه أو رجاء لثوابه أو إجلالا له، فيكون بذلك الفعل كأنه
طرح عودا هنديا على مجمر فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو؟ عباد
الله: أما الحياء فهو خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح ويمنع من
التقصير في حق ذي الحق..وهذا يدعمه الصيام ويصونه رمضان، والصائم بحفظه
لصيامه يراقب الله ويستحيي منه، إذ كيف يقدم على منكر من القول أو الفعل
وهو صائم، ويستحيي أن يؤذي مسلما وهو صائم، وهكذا يغلب الحياء كلما همت
نفسه الأمارة بالسوء بما يخرم الصيام ولا يتناسب مع شهر الصيام.
إن الصائم تهدأ نفسه ويسيطر على مشاعره،
ويتنازل عن جهل الآخرين عليه، ولا يُستفز فينتقم لنفسه، بل يعفو ويصفح
ويتجاوز ويغفر وهذا مقود الحلم وزمامه، وكم هو فضل من الله لمن يملكون زمام
أنفسهم بالحلم والصفح وإن قدروا على المجازاة والانتقام، وفي هذا يذكر أن
الأحنف بن قيس شتمه رجل وجعل يتبعه حتى بلغ حيه، فقال له الأحنف يا هذا::
إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف، لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى مكروها.