رمضان مدرسةٌ تربويةٌ تُربِّي المُسلمَ على المبادِئ الفُضلَى، والأخلاق
العُظمَى، والمسالِك المُثلَى؛ لتُقيمَ مُجمعًا إسلاميًّا راقيًا في
أخلاقِه وسُلوكِه وتعامُلاتِه.
فمن شهر الصوم يجبُ أن يتربَّى المُسلمُ
على ضبطِ النفس، وعلى التحكُّم في جُموحِها؛ لتنأَى عن كل خُلُقٍ رَذيلٍ،
ومسلَكٍ مَشينٍ. فيكونُ المُسلمُ بذلك في كل أحوالِه على صِفةٍ عالِيةٍ من
الرِّفقِ واللِّين والسَّماحَة والعفوِ، بعيدًا عن العُنف بأشكالِه
القوليِّ أو الفعليِّ، مُجانِبًا الفُحشَ بمُختلَف صُوره، مهما كانت
الدوافِع، ومهما تعدَّدَت أساليبُ الاستِفزاز له.
كيف لا يكونُ الصومُ مدرسةً تربويةً
تُعلِّمُ أبناءَ المُجتمعَ المُسلمَ السلوكَ الأفضلَ، والخُلُقَ الأمثلَ،
بشتَّى صُوره ومُخلَف أشكاله، والله - جل وعلا - قد بيَّن لنا أن المقصد
الأعظَم من الصوم هو تحقيقُ التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
إنها التقوى التي من
أبرَز عناصرها وأمثَل مضامينِها: العيشُ مع الناس بكل فعلٍٍ جميلٍ، وقولٍ
حسنٍ، ومظهرٍ طيبٍ؛ فإن مما يخالفُ مظاهرَ التقوى: التطاوُل على الخلق،
والفُحش لهم، وسوءُ الأخلاق في التصرُّف معهم.
ففي الثابتِ عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة: قيل: يا رسول الله! إن فُلانة
تُصلِّي الليل، وتصومُ النهار، وفي لسانِها شرٌّ تُؤذِي جِيرانَها، سليطةٌ.
قال: «لا خيرَ فيها، هي في النار». وقيل: إن فُلانة تُصلِّي المكتوبة،
وتصوم رمضان، وتتصدَّق، وليس لها شيءٌ غيره، ولا تُؤذِي جِيرانَها، قال:
«هي في الجنة»؛ والحديث أخرجه أحمد والحاكم، وصحَّحه الحاكم، ووافقه
الذهبي، وصحَّحه جمعٌ من الحُفَّاظ.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ رواه البخاري.
وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان العبدِ يوم القيامةِ من حُسن الخُلُق».
فقد سُئِل
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يُدخِل الناسَ الجنة، فقال:
«تقوى الله، وحُسن الخُلُق»؛ والحديث حسَّنه أهلُ العلم.
فليكُن
هذا الشهر مُربِّيًا في نفوسِنا في كل الأزمان والأوقات حُسن الطِّباع،
وجميلَ الأخلاق، وطِيبَ التعامُل؛ مُمتثِلين وصيةَ النبي - صلى الله عليه
وسلم - في الحديث الصحيح - الذي رواه الترمذي -: «اتقِ الله حيثُما كنتَ،
وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ».
فبتلك
التوجيهات يسعَدُ الأفراد، تأمنُ المُجتمعات، وتطمئنُّ النفوسُ. فلا
غرْوَ؛ فحُسن الأخلاق قاعدةُ الأمن والأمان للمُجتمعات، وسيِّئُها أصلُ
الشُّرور والشقاء في المُجتمع.
ويتكلَّمُ بعضُهم عن عذابِ الوِجدان فيقول: "إنها لظَى جحيم، يعضُّ قلوبنا ليلاً ونهارًا".
فسبحان
من أرشدَ إلى جميل الأخلاق، وإلى محاسِن العادات والسُّلوك، وأرسلَ نبيَّه
- صلى الله عليه وسلم - ليُتمِّمَ مكارِمَها، ويشرع محاسِنَها. قال الله -
جل وعلا -: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
بارك
الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا
القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه،
إنه هو الغفور الرحيم.
فكُن - أيها المسلم - جوادًا
بالخيرات والطاعات التي تُقرِّبُك إلى ربِّ الأرض والسماوات .. كُن جوادًا
كريمًا مُحسِنًا في قولِك وفعلِك وسُلوكِك .. كُن مُحسِنًا بأنواع الإحسان
القوليِّ والفعليِّ.
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما نقصَت صدقةٌ من مال».