يربّي الصيام الأمّة على الوحدة والاجتماع، ويؤصّل ذلك المعنى في نفوسهم،
من خلال صيامهم جميعاً في وقتٍ واحدٍ، وإفطارهم في وقتٍ واحدٍ، وعلى مائدةٍ
واحدةٍ. يربّي النفس على الالتزام بشرع ودين الله تعالى، من خلال صيام
الإنسان، وإفطاره في الوقت المحدّد. يتعلّم المحافظة على وقته، واستغلاله
أفضل استغلال، من خلال القيام بأعمالٍ مفيدةٍ، وأداء الطاعات. يربّي المسلم
على التحلّي بالأخلاق الحميدة، والابتعاد عن الاخلاق الذّميمة؛ كالغضب،
ويحفظ لسان المسلم من قول الشتائم، وما قبح من القول، ويجعل المسلم يتحلّى
بالصبر على أداء الطاعات، والصبر على عدم ارتكاب المعاصي. يجعل المسلمين
أمّةً متماسكةً، يشعرون ببعضهم البعض، فيشعر الغنيّ بالفقير والمحتاج،
فيتعلّم المسلم أن يُحسن إلى غيره، ويتعاون معه، ويقدّم له النفع
والمساعدة. يتولّد لدى المسلم عبادة حسن الظّن بالله تعالى. يعوّد المسلم
على الإكثار من الدّعاء؛ لأنّ دعوات الصائم لا يردّها الله تعالى. يغفر
الله ذنوب عباده الصائمين، ويدخلهم جنّات النعيم. الوسائل المعينة على
الصيام توجد مجموعةٌ من الوسائل التي تُعين الإنسان على الصيام، واكتساب
الأجر والثواب.
رمضان مدرسة للاختبار ،حيث يمسك الصائم عن الأكل والشرب
والشهوة ،وهذا اختبار من الله للعبد بصبره وبعبادته وتركه ما نهاه الله عنه
لوجهه سبحانه ، وتحمله الأوامر وقيامه بها ، فرمضان اختبار للإيمان وللنية
وللصبر وبمعنى أعم اختبار لحقيقة إسلامه واستسلامه لله لأن الحياة بالنسبة
للمؤمن كلها اختبار ، ولحظاتها مجاهدة بين نفسه الأمارة بالسوء وواعظ الله
في قلب كل مؤمن ، فمن وطن نفسه على اختبار الصيام وأدرك أسراره وذاق لذة
النجاح فيه عرف نتيجة الاختبار في باقي شؤون الحياة .
رمضان يورث محبة
الله في قلب المؤمن ،فإنه إذا رأى كرم ربه وجزيل عطاياه في رمضان ،زادت
محبته سبحانه ، والمحبة ركن في الإيمان وهي أساس الأعمال ، فيقبل المؤمن
على العمل محبا له متمسكا به متقنا لأدائه ، ففي رمضان يتكرم المولى
بالمغفرة لمن صام ولمن قام وفطر صائما ، والحسنة تضاعف فيه ما لا تتضاعف في
غيره ، واختص الله بأجر الصائم دون غيره ، وما ذاك إلا محض فضل منه سبحانه
وتعالى .
مجرد معرفة أن الصوم كتب على الأمم من قبلنا فهذا دليل على
آثاره العظيمة وفوائده على الإيمان والإنسان والمجتمع ويدل على ذلك أن الله
لم يفرضه علينا وعلى أهل الكتاب من قبلنا فقط بل قال" كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم " ليشمل جميع الأمم وشئ بديهي أن أمرا يفرض على
تلك الأعداد الهائلة من الأمم فيه من الأسرار والحكم والفوائد ما يستحق
ذلك التعظيم والوقوف.
رمضان يربي الناس على عدم الزيادة أو النقص مما
حدده الشرع لهم ، فقد حدد الشرع رمضان بشهر واحد ، وذلك لا يجوز الزيادة
عليه ، فحرم صوم العيد ، وحرم على الصحيح التقدم على رمضان بيوم أو يومين
ما لم يكن عادة ، وكذلك الإفطار حدده بغروب الشمس وقال صلى الله عليه وسلم "
لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا الفطر إلا أن تشتبك النجوم"
في رمضان
يظهر أثر العبادة على الناس سواء في حياتهم أو أخلاقهم أو سلوكياتهم فتنعدم
المخاصمات وتقل المشاجرات على مستوى المجتمع وحتى الأسرة الواحدة بل
الحياة الزوجية أيضا وهذا ثابت بالاستقراء وما ذلك ـ والله أعلم ـ إلا لأن
القيام والصيام والصلاة والأعمال الصالحة أثرت في حياة الناس فرزقوا
الطمأنينة والسكينة والوقار ، ويدل هذا على أنه من وسائل إصلاح المجتمعات
نشر الوعي الديني عندهم وربطهم بالله سبحانه ، وإذا تقرر عند السلف أنه ما
من سنة تندرس إلا ويخرج بدلها بدعة ، فمن لازم القول أنه ما من فساد
اجتماعي وأخلاقي إلا بسب معصية الله سبحانه ، نسأله التوبة والعفو والمغفرة
.
رمضان وفضائله تعود الصائم على حفظ الوقت من الضياع ، وهذا من مقاصد
الشرع العظيمة ، ففي رمضان يحرص المؤمن على استغلال وقته بالطاعات ويحذر من
الملهيات والمعاصي ، وفي ذلك تربية له على اغتنام عمره بما ينفعه عند الله
ولو كان حرصنا على أوقاتنا كما نكون في رمضان لتبدلت أحوالنا والله
المستعان .
فعلمه الصيام كيف يمنع نفسه عن الغضب وآثاره المرة ؟ وأن يترفع عن البطش والسفه ومماراة الجاهلين ، ومعاندة المستكبرين ، وفاحش الأقوال ، وسيء الأفعال ، فليس القصد من قوله " إني صائم " الرياء وأن يخبر الناس وإنما القصد أن يبين للطرف المقابل الذي ينتظر الرد أنه متلبس بعبادة تمنعه عن السفه والغلط ، ويحتمل أن يكون المراد تذكير نفسه بأن عبادتي وصيامي ترفعني عن أفعالك وجهلك .
وفي ذلك أيضا إخماد نار الفتنة فإن كل معتد إذا لم يلق استجابة ومقابلة ستنطفئ ناره كما هو معروف من أحوال الناس ، وبهذا يكون الشرع حفظ الطرفين المتخاصمين :
الأول : بأمره بالترفع عن أفعال الجاهلين .