> إعداد/ صديق الطيار
للصيام فوائد نفسية كثيرة؛ ففيه تربية وتهذيب للنفس وعلاج لكثير من
أمراضها. فالإمساك عن الطعام والشراب من قبل الفجر إلى غروب الشمس في جميع
أيام شهر رمضان، إنّما هو تدريب للإنسان على مقاومة شهواته والسيطرة عليها،
ويؤدّي ذلك إلى بثّ روح التقوى فيه: ﴿ يَأيُهاَ الّذينَ آمَنُوا كُتبَ
عَلَيْكُمُ الصّيامُ كَمَا كُتبَ عَلَى الّذينَ من قَبْلكُمْ لَعَلّكُمْ
تَتّقُونَ ﴾ (البقرة، 183). وفي الحديث الشريف: "فإذا كان أحدكم صائماً،
فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم" رواه
البخاري.
في رمضان يصوم المؤمن، ويشعر بالحاجة إلى الطعام والشراب،
ويستشعر بذلك ضعفه البشري، فيقِلّ اغتراره بقوّته، وتتطهر نفسه من نزعة
التجبر والعلو في الأرض؛ إذ كيف يتجبر وهو بالكاد صبر دون طعام وشراب بضع
ساعات؟ ولعل هذا من الفوائد النفسية الهامة للصيام، لأنه يُرجع المغرور إلى
الواقع، ويخلّصه من عقدة التفوّق والعلوّ التي أفسدت عليه نفسه.
إنّ
استمرار هذا التدريب على ضبط الشهوات والسيطرة عليها مدة شهر من كل عام،
لا شك سيعلّم الإنسان قوّة الإرادة، وصلابة العزيمة، لا في التحكم في
شهواته فقط، وإنّما في سلوكه العام في الحياة، وفي القيام بمسؤولياته،
وأداء واجباته، ومراعاة اللّه تعالى في كل ما يقوم به من أعمال.
الصيام هو الذي يعمّق الخشوع والإحساس بالسكينة، والتحكّم في
الشهوات وإنماء الشخصية. فالهدف من الصيام هو التحكم في النفس البشرية
وميولها العصبية، وهذا هدف متميز من أهداف الصيام.
لقد
خلق الله النهار لنَنْشط فيه ونبتغي من فضل الله، وخلق الليل لنسكن فيه
ونهجع، إذ في النوم راحة لجهازنا العصبي، فلو حُرم الإنسان من النوم لبضعة
أيام فإن ذلك يؤدي إلى خلل في عمل الدماغ، وفي النوم ترميم لما اهترأ من
جسم الإنسان، كما يتم النمو خلاله أيضاً. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [يونس: 67]. لكنّ الله أثنى على
المُتّقين بأنّهم: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 17، 18]، وهنا قد
نتساءل: لقد اختار الله الليل ليكون وقت الاستغراق في العبادة، لكن هل يكون
ذلك على حساب صحة الإنسان العقلية؟ ونحن نعلم كم هو مفيد نوم الإنسان في
الليل؟ والجواب أنّه لن يكون ذلك أبداً، فقد كشفت دراسات الأطباء النفسيين
في السنين الأخيرة أنّ حرمان المريض المصاب بالاكتئاب النفسي من نوم النصف
الثاني من الليل له فعل عجيب من تخفيف اكتئابه النفسي وتحسين مزاجه حتى لو
كان من الحالات التي لم تنفع فيها الأدوية المضادة للاكتئاب. إذن لقيام
الليل والتهجّد في الأسحار جائزة فورية، وهي اعتدال وتحسّن في مزاج
القائمين والمتهجّدين، وفي صحّتهم النّفسية.