> كريستيان هيلر
حذر القائد الأعلى السابق لحلف (الناتو) قائد القوات العسكرية الأمريكية في
أوروبا عام 2016م، (جيمس ستافريديس)، من أن حقبة حرب هجينة بحرية آخذة في
التشكّل.
وسلط (ستافريديس) الضوء على الأنشطة الصينية في بحر الصين
الجنوبي، والإجراءات الإيرانية في جميع أنحاء الخليج، محذراً من أن المجال
البحري يوفر 4 مزايا كبيرة للجهات الفاعلة، فهو يسمح لها بالقيام بأنشطة
دون تحمل المسؤولية الرسمية عنها، ويتيح استخدام عنصر المفاجأة، ويسمح
بالسيطرة على توقيت ووتيرة الأحداث، كما أنه أقل تكلفة بكثير من العمليات
العسكرية التقليدية.
وعلى الرغم من أن الأجهزة المتفجرة البدائية المنقولة عن طريق البحر، والهجمات طويلة المدى بالطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية تبدو جديدة، لكنها تعكس التقنيات الجديدة المطبقة في الجهود التقليدية، مع إظهار شدة التنافس على النفوذ في الخليج.
وسائل شن الحرب الهجينة
وتختلف الحرب الهجينة، أو الحرب غير المتماثلة، عن الحرب التقليدية في جوانب متعددة.
وتستخدم
الحرب الهجينة مجموعة أكبر من التقنيات، مثل العمليات السيبرانية، وتكمن
قوتها في الغموض والقدرة على الإنكار، وتهدف إلى القيام بأنشطة يصعب وصفها
بأنها حرب، من أجل تقليل المعارضة العامة والدولية.
ولوضع مرجع للتفرقة
بين النوعين، يمكن اعتبار الحرب بين إيران والعراق أطول حرب تقليدية في
القرن العشرين، بينما تظهر الأنشطة الروسية في سوريا عمليات الحرب الهجينة
المعاصرة.
ويوفر استخدام القوات الوكيلة والجهات الفاعلة غير المنسوبة للدولة ميزة قياسية في الحرب الهجينة.
وقد
تم نشر عملاء روس مجهولي الهوية في جميع أنحاء سوريا وأوكرانيا، واستطاعت
إيران، عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، دعم قوات وكيلة في
سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان، وتحول استثمار إيران في (حزب
الله) اللبناني إلى (رصيد إستراتيجي)، يحاول الحرس الثوري تكراره في جميع
أنحاء المنطقة.
وأعلن متمردو الحوثي، المدعومون من إيران، عن مسؤوليتهم عن الهجوم بطائرة بدون طيار على محطتين لضخ النفط السعودي.
ويعد كلاهما رخيص التكلفة، وقابلاً للتكرار، ويستهدف كيانات اقتصادية ومدنية بدلاً من الأهداف العسكرية.
تاريخ الحروب في الخليج
وقد استمر القتال غير المتماثل في الخليج منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وعلى الرغم من اعتباره آنذاك حرباً تقليدية، لكن الصراع البحري في الحرب الإيرانية العراقية كان له نكهة غير تقليدية بشكل واضح.
واستهدف كلا
الجانبين الناقلات التجارية، ومعظمها كانت سفناً محايدة، واستخدم كلا
الجانبين الألغام والغارات الجوية والصواريخ المضادة للسفن بدقة متناهية.
وبدأت
الهجمات الأولى لـ "حرب الناقلات" بضربات جوية شنتها طائرات مقاتلة على
ناقلات النفط والمنشآت في جزيرة (خارج) الإيرانية، واستولت القوات
الأمريكية على سفينة بحرية إيرانية أثناء قيامها بزرع الألغام في الخليج،
لكن السفينة الحربية الأمريكية (صموئيل روبرتس) تم قصفها وإغراقها.
وفي
أواخر الحرب، حصلت طهران على صواريخ (سيلك وورم) صينية الصنع، واستخدمتها
لمهاجمة ناقلة أمريكية في المياه الكويتية، كما دعمت إيران (حزب الله) في
استهدافه للمصالح الأمريكية عبر الهجمات الانتحارية وعمليات الاختطاف في
لبنان.
وعلى الرغم من أن 1 % فقط من الشحن البحري في الخليج تعطل بسبب
الهجمات، لكن الولايات المتحدة ردت بجهد عسكري خاص، وأصبحت مشاركاً غير
رسمي في الحرب، ودمرت القوات الأمريكية منصات النفط الإيرانية، وأغرقت عدة
سفن في عامي 1987 و1988.
وأصبح هذا النوع من المناوشات مألوفاً منذ ذلك
الحين، واحتجز الحرس الثوري الإيراني 6 بحارة بريطانيين و2 من مشاة البحرية
البريطانية عام 2004 بين إيران والعراق، وبعد 3 أعوام، أسر الحرس الثوري
الإيراني 15 بحاراً بريطانياً، باستخدام سفينة تجارية.
ويشترك التنافس السعودي الإيراني الأكبر في الأعوام الأخيرة، في اليمن وسوريا والعراق وأماكن أخرى، في نفس خصائص "الحرب الهجينة"، حيث شهد عمليات معلوماتية وقتالاً بين القوات الوكيلة، وحصارا واستهدافا للكيانات الاقتصادية والمدنية.
ماذا ننتظر؟
ومن المحتمل أن تنمو قدرات
الوكلاء حول الخليج، ومع امتلاكهم للطائرات بدون طيار الإيرانية طويلة
المدى، يمكن للحوثيين الوصول إلى معظم أراضي الإمارات والسعودية بمزيد من
الضربات.
ومع دعم إيران لـ (حزب الله) "الجهة الفاعلة غير الحكومية
الأكثر تسليحا في العالم"، ومع استمرار تدفق الأسلحة غير التقليدية الرخيصة
إلى أيدي الجهات الفاعلة غير الحكومية في جميع أنحاء الخليج، من المرجح أن
تتزايد وتيرة هجمات الحروب الهجينة.
وسيمكّن
انتشار الطائرات بدون طيار الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية من
زيادة إمكانية الوصول إلى قدرات الاستطلاع والهجوم المتقدمة، كما ستنتشر
قدرات الصواريخ الباليستية في جميع أنحاء المنطقة.
وتمتلك مجموعات مثل
الحوثيين بالفعل مجموعة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المضادة
للسفن، والتي يسري اعتقاد بأن بعضها قد تم استخدامه لمهاجمة الرياض والسفن
الحربية الأمريكية وغيرها من السفن في البحر الأحمر، كما تتزايد الهجمات
السيبرانية ضد شركات الطاقة بشكل مضطرد.
ولا يعد الخليج محصنا من
الاتجاه نحو "حرب مستقبلية"، ويشير تفاوت الثروات والمنافسات القوية وعدم
الاستعداد الواضح من دول الخليج العربية للانخراط في حرب واسعة النطاق، إلى
أن مستقبل الصراع في المنطقة يتجه نحو "الحرب الهجينة".
"معهد دول الخليج العربي في واشنطن"