> «الأيام» غرفة الأخبار
كثّفت جماعة الحوثي المتمرّدة في اليمن بدعم من إيران بشكل لافت من إعلانها، خلال الفترة الأخيرة، عن استهداف مواقع ومنشآت داخل الأراضي السعودية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، في عمليات تبدو أقرب إلى الدعاية منها إلى العمل العسكري ذي التأثير الملموس في مسار الحرب وإمكانية تغيير موازين القوّة فيها وتعديل الأوضاع الميدانية التي نتجت عنها.
ويرجّح خبراء الشؤون العسكرية، أن يكون الهدف الذي يسعى إليه الحوثيون من تكثيف استهدافهم للسعودية بتلك "الأدوات البسيطة وقليلة الدقّة والنجاعة قياسا بما بلغته صناعة السلاح من تطور تكنولوجي كبير"، نفسي بالأساس ومتمثّل في زرع الشكّ لدى السعوديين بشأن قدرة بلدهم على حماية مجاله وأمن مواطنيه وسلامة منشآته ومؤسساته من جهة، وبالتالي محاولة خلق رأي عام داخلي سعودي مضادّ للحرب.
ويقول الخبراء إنّ الدعاية تبدأ من ادّعاء تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية محلّيا، وهو أمر مستحيل في ظلّ الوضع الراهن لليمن وافتقاده للمواد الأولية والخبرات العلمية والتكنولوجية والبنية الصناعية اللازمة لصناعة السلاح.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ الكثير من الشواهد المادية ومن ضمنها الأرقام التسلسلية تثبت أن إيران هي مصدر صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة. فيما تظهر معلومات استخباراتية أن تركيب الأجزاء المهرّبة من إيران، وإطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار وتوجيهها، حتّمت جلب خبراء من حزب الله اللبناني نظرا إلى خبرة الحزب السابقة بالسلاح الإيراني.
وعدا عن سقوط ضحايا مدنيين وتضرّر بعض المنشآت المدنية، لم يستطع الحوثيون أن يثبتوا ولو لمرّة واحدة أنّ صواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيرة قد ألحقت أضرارا فعلية بأهداف عسكرية داخل المملكة.
وأعلن التحالف في بيان له، أمس الأول، عن اعتراض طائرات مسيّرة أطلقها المتمردون الحوثيون من اليمن باتجاه مطارات مدنية في المملكة.
وأكد البيان أن الحوثيين بدأوا "باستخدام أسلوب الهجوم المتزامن".
وفي يونيو الماضي أسفر هجوم صاروخي للمتمردين على مطار أبها عن إصابة 26 مدنيا. ونددت أغلب عواصم الإقليم والعالم، وأيضا هيئات دولية ومنظمات حقوقية بالهجوم الذي اعتبرته جريمة حرب واضحة.
كما أن إطلاق هذا العدد من الصواريخ دفعة واحدة يشير إلى أن مخزون الحوثيين من الصواريخ البالستية وغيرها -رغم آلاف الهجمات الجوية- ما زال كافيا ليشكل ضغطا عسكريا وسياسيا متواصلا على المملكة، ويؤكد أن الحرب ستدور أكثر في سماء عاصمتها ومدنها الرئيسية وقواعدها، بما تحمله من تكلفة بشرية ومادية كبيرة.
وخلافا للجانب العسكري؛ فإطلاق هذه الصواريخ -الرخيصة نسبيا- يشكل استنزافا هائلا لموارد المملكة؛ إذ يكلف الصاروخ الاعتراضي الواحد (باترويت) الخزينة السعودية نحو ثلاثة ملايين دولار، ويستلزم إسقاط السكود، أو طائرة مسيرة -رخيصة غالبا- أكثر من صاروخ، وأطلق الحوثيون منذ مارس 2015 مئات الصواريخ قصيرة المدى، ونحو أربعين صاروخا بالستيا على مواقع سعودية.
التوازن يُعرَّف بأنه حالة من الاستقرار أو التكافؤ في القدرات بين دولتين أو كتلتين متصارعتين، وفي حرب إعادة الشرعية اليمنية تتفوق دول التحالف العربي على القوات الحوثية بشكل كبير، مما دفع تلك القوات إلى استخدام الصواريخ البالستية مُوازِنًا يحقِّق التكافؤ ولو في البعد الإستراتيجي، لأهداف عدة، منها:
قدرة الصواريخ البالستية على الوصول إلى عمق أرض العَدُوّ وتحطيم الروح المعنوية للمدنيين، وفي الوقت نفسه إجهاد الدفاعات التي عليها اعتراض كل صاروخ يُطلَق. وإذا كانت الصواريخ دقيقةً دمَّرَت المنشآت العسكرية والبنى التحتية. وخلال "حرب المدن" في الحرب العراقية-الإيرانية التي امتدّت من فبراير 1980 حتى أبريل 1988، أدَّى ضرب طهران بصواريخ طويلة المدى إلى انهيار المعنويات وفرار أكثر من ربع سكان طهران من المدينة، مِمَّا ساهم في اتخاذ القيادة قرارًا بإنهاء الحرب، وفي الوقت نفسه ارتفعت من معنويات الفريق المهاجم بالصواريخ. وقد روَّجَت وسائل إعلام موالية للقوات الحوثية العام الماضي أن سلاح الصواريخ أخلّ تمامًا بمعادلة هذه الحرب وسجَّل ضربات نوعية ضدّ معسكرات التحالف والجبهة الحدودية.
استخدام رؤوس دمار شامل في القصف الصاروخي، ففي حالة اليأس قد تستخدم القوات الحوثية رؤوسًا بيولوجية أو كيماوية، فقد هدَّد الرئيس اليمني الراحل في 24 أغسطس 2015م السعودية "برَدّ لا تعرفه"، مضيفًا: "سنوجِّه إليكم ردًّا لا تعرفونه، ولا يدركها ولن يدركها خبراؤكم ولا مراكز دراساتكم. وفي 27 ديسمبر 2015 قال موجِّهًا كلامه إلى التحالف العربي وإلى السعودية: "إن المعركة في اليمن لم تبدأ بعد". وكشفت مصادر يمنية عن امتلاك صالح أسلحة دمار شامل يمكن أن تهدِّد الأمن الإقليمي، يحتفظ بها فى جبل النقم بصنعاء منذ الحرب العراقية الإيرانية.
التوسُّع مستقبَلًا لتوريط دول أخرى، كقصف إسرائيل تحقيقًا لشعار أنصار الله الحوثيين "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"، ودعمًا لحزب الله، وكسبًا للتعاطف العربي والإسلامي كما فعل صدام حسين في أثناء حرب تحرير الكويت 1991م عندما أطلق 39 صاروخ "سكود" بعد يوم واحد من بداية الحرب، وشمل القصف أهدافًا في تل أبيب وميناء حيفا والنقب.
على مستوى الصناعات العسكرية، تُعتبر صناعة الصواريخ ذات تقنية عالية ومتقدمة، فالصاروخ يتطلب كثيرًا من التجهيزات، كالمحرِّك الصاروخي القادر على حمل الصاروخ لمسافة تبلغ مئات الكيلومترات معتمدًا على الوقود الصلب، كما يحتاج الصاروخ إلى رأس حربي شديد الانفجار كثير الشظايا، بالإضافة إلى الصاعق أو آلية التفجير، ولا يمكن وسط الفوضى ومراقبة التحالف وقصفهم المستمرّ قَبول قدرة القوات الحوثية على صناعة صواريخ بالستية دون تشكيك، أو حتى تطوير صواريخ متواضعة صنعها الاتحاد السوفييتي في خمسينيات القرن الماضي لتصبح بالستية.
وقد ظهرت أول الصواريخ البالستية التي تطلقها القوات الحوثية مطلية باللون الأخضر الفاقع، وقد أُلصِقَ عليها العلم اليمني، كالصاروخ "النجم الثاقب1" بمدى 45 كيلومترًا، التي أُعلِنَ دخوله الخدمة في 26 مايو 2015 بعد شهرين بداية "عاصفة الحزم"، تلاه "النجم الثاقب2" بمدى 75 كيلومترًا. وفي 7 يونيو 2015 أعلن ما يسمَّى "وحدة الصناعات الحربية" إنتاج صاروخ "الصرخة" بمدى 17 كيلومترًا. وفي 23 نوفمبر 2015م أنتجت الوحدة صواريخ "زلزال1" و "زلزال2" المصنَّعة في إيران بمدى 15 كيلومترًا ودخلت الخدمة في عملية قصف استهدفت موقع القرن العسكري السعودي في جيزان. مِمَّا سبق يظهر دون شكّ أن القوات الحوثية تنسج أسماءً عربية لإبعاد شبهة الدعم الصاروخي الإيراني.
وتتفق مصادر عسكرية عِدّة على أن ترسانة صواريخ القوات الحوثية تضمّ صواريخ أرض-أرض "فروج7" ذات مدى 120كم، كما تضم صواريخ "هواسونغ- 5" بمدى 320كم، و "هواسونغ- 6" بمدى أطول غير معلوم. إلا أن ما يقلق هو ثلاثة أنواع من الصواريخ البالستية، استخدمها العدو بفاعلية في سعيه نحو تحقيق التوازن الإستراتيجي في المرحلة البالستية، وكان عمادها الصواريخ التالية:
صاروخ "سكود بي" Scud B، وكان اليمن يمتلك منها نحو 500 صاروخ، ويقع الجزء الأكبر منها حاليًّا تحت سيطرة القوات الحوثية. وترى مصادر أنه يملك نحو 20 قاعدة لإطلاق صواريخ "سكود" حصل عليها من الاتحاد السوفييتي في أوائل الثمانينيات. ومن المفارقات العجيبة في عملية عاصفة الصحراء 1991م أن صاروخ "سكود" الذي عفا عليه الزمن أصبح مَبْعَثًا على إعادة النظر في طبيعة الحرب.
صاروخ “توشكا” Tochka، ويسميه الناتو "SS-21"، وهو يمكن تفكيكه ونقله إلى المكان المخصَّص للإطلاق. هو صاروخ أرض-أرض، تكتيكي، قصير المدى، مجهَّز على عربة، وعربة خاصة بالتعمير الميداني. أقصى مدى لـ "توشكا" هو 120 كم، ونصف قطر التدمير يبلغ 160م، وهو صاروخ روسي المنشأ، عالي الدقة برأس حربي 500 كغ، وهو من أدقّ الصواريخ في المنطقة العربية، وقد بدأ التوسُّع في استخدامه في 1981، ليحلّ محلّ سلسلة صواريخ "فروج- 7" غير الموجَّهة. وقد استخدمت حكومة اليمن الشمالي صواريخ "توشكا" ضدّ القوات الجنوبية في 1994 ردًّا على هجمات صواريخ "سكود". وصاروخ توشكا هو الذي أُطلِقَ على معسكر صافر فكبَّد قوات التحالف العربي 99 شهيدًا.