> بلقيس الربيعي
عشقتُ عدن موطني
الثاني، أرضا وشعبا، وعدن بادلتني ذات المشاعر. عشتُ أحلى سنوات عمري في
عدن، الوطن الذي لم يبخل عليّ بشيء؛ بل أعطاني كل شيء.
هذه الأيام يعتصر
قلبي من الألم حين أشاهد ما يجري فيك يا عروسة البحر وساحرة الألباب،
الغافية بهدوء على سواحل البحر العربي. عدن كنتِ المدينة الآمنة التي لا
يُطلق فيها الرصاص على البشر كما يُطلق على الأرانب.. عدن يا وطني
بالاختيار.. منحتيني الأمان الذي افتقدته في وطني. أحبك زوجي د. أبو ظفر
ودائما كان يقول لي: "أفضل مكانا لكم في هذه الدنيا هو عدن وليس غير عدن.
إنكِ تعيشين في بلد الأمان والرعاية التي يفتقدها الإنسان حتى في وطنه".
أدمنت فيك رائحة البحر والبخور والفل والمشموم والكاذي.
أحن
إليك اليوم كحنيني لسماوتي الحبيبة. فيك وجدتُ نفسي ولم أشعر بالغربة كلما
أشاهد الغربان الصغيرة والنوارس، أتذكرك يا حبيبتي، وكلما أشم رائحة
الكزبرة تسميها العدنيات (كبزرة)، أسرح في أجواء سوق الشيخ عثمان.
في
إحدى رسائله في يناير 1979 كتب لي أبو ظفر قائلا: "أنا منذ مدة ليست ببعيدة
في عدن.. حيث الجو الربيعي ولكنه رطب. عدن مدينة صغيرة قياسا إلى بغداد
ولكنها بسيطة وجميلة ونظيفة وأهلها طيبون (الوزرة) لباسهم الشعبي. السفور
ظاهرة عامة بين نسائهم وحتى المحجبات يتصرفن بحرية أكبر بالنسبة للمحجبات
في بلدنا".
عدن مدينة هادئة لقلة مرور السيارات في شوارعها. تكثر فيها
الغربان الصغيرة بدل الحمام. في عتق وعدن تستوقفني ذكرياتي مع الغالي أبو
ظفر رغم قصرها.
عدن يا من كنت ملاذي الآمن بعد هروبي من قبضة الجلادين..
أحببتكِ وبكيتُ لفراقكِ رحلتُ عنك مرغمة أثر الحرب الغاشمة عام 1994 تبقين
"أنتِ بعيوني الحبيبة، أنتِ للإنسان طيبة.. أنت في قلبي الوطن يا حبيبة..
يا عدن" هكذا غنى لك جعفر حسن.
وقال عنك الروائي صبري هاشم في روايته
"قبيلة الوهم": "العدنيون طيبون بحياتهم قانعون، بجحيم شموسهم سابحون
وببحارهم فرحون، أخلاقهم لا تناسب قسوة صخورهم ولا حرارة شموسهم ولا هياج
رمالهم.. العدنيون فنارات ترشد كل سفينة"، عدن التي سخت عليّ بخيرها ما زلت
أحمل في ثنايا روحي حبي لها ولأهلها الطيبين.