> طوكيو «الأيام» عن العرب:

عجّلت التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران على إثر عملية قتل قاسم سليماني، في إقدام اليابان على تحرّكات للحفاظ على مصالحها ترجمتها الجولة الخليجية التي يقوم بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي والتي بدأها بزيارة للسعودية، لتشمل، الثلاثاء والأربعاء، الإمارات وسلطنة عمان. ويحاول شينزو خلال هذه الجولة شرح قرار طوكيو المتعلق بنشر قوة بحرية لتأمين الملاحة في الخليج العربي.

القاهرة - في الوقت الذي تدقّ فيه طبول الحرب في المنطقة نتيجة تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وصل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى المملكة العربية السعودية، الأحد الماضي، في إطار جولة خليجية تشمل أيضا دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، ويزورهما آبي يومي الثلاثاء والأربعاء على التوالي.
يسعى رئيس وزراء اليابان خلال لقاءاته مع قادة الدول الخليجية الثلاث إلى شرح قرار حكومته الصادر في 27 ديسمبر الماضي، المرتبط بنشر قوة بحرية مكونة من مدمرة وطائرتي استطلاع قبالة سواحل اليمن وسلطنة عُمان، بهدف ضمان حركة آمنة للسفن التجارية المرتبطة باليابان.

ويمثل تأمين الملاحة في الخليج العربي وإمدادات النفط القادمة من المنطقة أولوية متقدمة للأمن القومي في طوكيو التي تستورد حوالي 90 بالمئة من حاجتها من النفط من الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن ترسل طوكيو طائرتي دورية، من طراز P-3C إلى المنطقة في 20 يناير الجاري، على أن تبدأ المدمرة "تاكانامي" مهمتها في 2 فبراير المقبل.

وتخطط الحكومة اليابانية لمشاركة المعلومات الاستخباراتية التي تتحصل عليها قوتها البحرية مع الشركات المشغلة للسفن اليابانية والولايات المتحدة ودول أخرى.
ونجح آبي خلال زيارته للرياض، وهي الثالثة منذ توليه السلطة في نهاية عام 2012، في الحصول على الضوء الأخضر لدعم القوة العسكرية البحرية، وعبّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن دعمه الكامل لجهود طوكيو في "حماية أمن الملاحة في الخليج وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".

كانت الموافقة السعودية على نشر القوة اليابانية في المنطقة ضرورية في ظل العلاقات المهمة والعميقة التي تربط الرياض وطوكيو، وتربط الأخيرة بطهران التي تعد أحد أهم مصادر التوتر في المنطقة.
وتعد السعودية ضمن أهم عشرة شركاء تجاريين لليابان، فيما تأتي طوكيو كثالث أكبر شريك تجاري للرياض، كما تحتل السعودية المرتبة الأولى في تزويد اليابان بالنفط الخام ومشتقاته، بحوالي 39 بالمئة من إجمالي وارداتها من النفط الخام.

وتضاعفت أهمية الرياض بالنسبة لطوكيو، بعدما توقفت اليابان عن شراء النفط الإيراني في أبريل الماضي، امتثالاً للعقوبات الاقتصادية التي أعادت واشنطن فرضها خارج أراضيها على إيران إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018.
وتأتي جولة آبي الخليجية وسط مشاعر قلق لدى دوائر صنع القرار في طوكيو، بعدما تصاعدت ملامح التوتر، بما ينذز بمزيد من السخونة السياسية والأمنية في المنطقة، وقلب الطاولة على بعض التقديرات التي تفاءلت بضبط سلوك إيران.

وأسفرت غارة جوية أميركية على بغداد عن مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، أعقبها ضرب قاعدتين عسكريتين في العراق تتمركز فيهما قوات أميركية، ثم اعتراف إيران أنها أسقطت "خطأ" طائرة ركاب أوكرانية، ما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الـ176 الذين كانوا على متنها.
وتكمن الخطورة في كون الجولة تأتي أيضا بعدما تعرّضت إمدادات الطاقة اليابانية لضربة قوية خلال فصل الصيف الماضي، بعد مهاجمة ناقلتين نفطيتين، واحدة منهما تحمل نفطا إلى اليابان، بشكل غامض قبالة خليج عُمان.

وجاء الهجوم أثناء وجود آبي في إيران للقاء المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، محاولا الوساطة بين طهران وواشنطن وتخفيف التوتر بين الجانبين، وهو أول رئيس وزراء ياباني يزور إيران منذ 40 عاماً.
ومن المرجح أن ينتهز رئيس الوزراء الياباني الجولة الخليجية الجديدة، لمواصلة دوره الدبلوماسي في تهدئة التوتر في المنطقة، وسط تضييق الخناق على إيران التي وضعت نفسها في مأزق إقليمي ودولي، قد يضطرها إلى تبني سياسات تخرج عن نطاق الرشادة السياسية، ما يفضي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا، بصورة قد تكون لها آثار بالغة السلبية على الاقتصاد الياباني.

ويشكل عدم استقرار المنطقة كابوسا مفزعا لرئيس الوزراء الياباني لتأثير ذلك البالغ على وضع الاقتصاد في بلاده الذي قد يدخل مرحلة حرجة إذا ما اشتعلت مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران، خاصة أن البنك الدولي يقدر نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في اليابان هذا العام بنحو 0.7 بالمئة فقط. وهي نسبة ضئيلة للغاية، معرضة للتناقص، إذا ما كثف الرئيس الأميركي ترامب حروبه التجارية.

ولا تستبعد اليابان أن يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات جديدة على الصين أو على واردات السيارات اليابانية، كي يكتسب المزيد من الشعبية في الداخل في موسم انتخابي، ما يحمل انعكاسات سلبية بالغة على اقتصاد اليابان، خاصة إذا اقترن ذلك بارتفاع أسعار النفط عالميا نتيجة تفاقم التوتر في الخليج.
ويبدو الدور الدبلوماسي النشط الذي يحاول رئيس الوزراء الياباني القيام به منطقيا، لكن فرص نجاحه محدودة. فطوكيو حليف إستراتيجي وثيق الصلة بالولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويرتبط آبي بعلاقات وثيقة مع ترامب.

في المقابل، ينظر الكثير من قادة طهران إلى طوكيو باعتبارها أكثر حيادية من حلفاء واشنطن الآخرين في أوروبا، مع تركيزها على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية في المنطقة بدلا من الانتشار العسكري.
كما أن موقف اليابان الداعم للاتفاق النووي عقب انسحاب الولايات المتحدة، وجّه رسالة شجعت إيران على طرق أبوابها بقوة بحثا عن وساطة وتهدئة وخروج من المأزق الراهن.

ويتوقف نجاح الوساطة اليابانية أو فشلها، على مجموعة من المحددات التي تتجاوز الدور السياسي لطوكيو، لأن الأزمة معقدة ومرتبطة بتوازنات إقليمية ودولية معينة.
ولذلك يبدو الأمل ضعيفا في إحراز تقدم ملموس بمعرفة آبي ودبلوماسيته الحذرة، خاصة أن الطرف الإيراني يصر على عدم الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وعدم التخلي عن برامجه النووية والصاروخية.

كما أن الإدارة الأميركية متمسكة بممارسة أقصى ضغوط اقتصادية على إيران، كي تجبرها على التوقف عن سلوكها العدواني والذي يتسبب على الدوام في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
علاوة على أن طوكيو ليست طرفا مباشرا في أزمة الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، والذي وقعته إيران وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، بالتالي لن يكون رئيس وزراء اليابان قادرا على تفعيل دور الوساطة في تفاصيل الملف النووي الحيوي، والمطروح على رأس جدول أعمال الوساطة.

وتعكس جولة آبي الخليجية المساعي الرامية إلى جعل اليابان دولة ذات دور مؤثر في حفظ الأمن والاستقرار العالميين، وقادرة على الدفاع عن مصالحها في الخارج، ومحاولة التحلل من القيود الدستورية والشعبية المفروضة عن مسألة نشر قواتها العسكرية في الخارج.
وتؤكد رغبة رئيس الحكومة في تقليل المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها قواته العسكرية في الخليج، فأي ضربة مؤلمة لهذه القوات تعني نهاية مستقبله السياسي، بعد أن أصبح أطول رئيس وزراء استمرارا في الحكم منذ الحرب العالمية الثانية.

وتنطوي الزيارة أيضا على عزم صانعي القرار في طوكيو الخروج من القوقعة وتعزيز الحضور في المنطقة، خوفا من أن تصبح اليابان خارج توازنات يجري تشكيلها حاليا في الخليج العربي.
وظهرت معالم هذا التوجه مؤخرا على ضوء المناورات العسكرية المشتركة بين إيران وروسيا والصين، ومساعي واشنطن لتشكيل عملية الحراسة "Operation Sentinel" مع بريطانيا وأستراليا وعدد آخر من الدول. الأمر الذي يشير إلى أن ثمة معادلات يدور التباحث بشأنها، ربما لم تظهر معالمها النهائية بعد، لكن في كل الأحوال هناك منظومة جديدة يمكن أن تنجم عن التفاعلات الحالية.​