الأربعاء, 18 يونيو 2025
260
في موضوع سابق كتبناه بعنوان (الاختراق سلاح العمل الأمني الفعال) نشرته صحيفة "الأيام" الغرّاء وتناقلته بعض المواقع وتداولته بعض مجموعات الواتساب الأسبوع الماضي، كنّا قد تحدثنا فيه ضمن مفاهيم العمل الأمني/ الاستخباري عن مفهوم الاختراق وارتكازه على ثالوث الضابط - العميل - المعلومة، وعن أنواع الاختراق من جمع معلومات - إرسال إحداثيات - تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف قيادات - إضعاف معنويات - إضعاف البلد المستهدف وشل مقوماته وقدراته العسكرية والأمنية وبُناه التحتية وفي إطار التنفيذ أيضًا يأتي الاستفادة من القدرات اللوجستية وأي دعم آخر من الأجهزة الأمنية/ الاستخباراتية الصديقة التي تتقاطع مصالحها وتلتقي جميعها عند الأذى بالبلد والمساس بذات الهدف فيه.
وفي موضوعنا هذا سنحاول استعراض وقائع الاختراقات المحلية والخارجية ونتائجها لتطابقها وبشكل عام تقريبًا مع تلك المفاهيم ومع مفهوم الاختراق:
الجرائم الإرهابية التي تم ارتكابها وتنفيذها بالطائرات المسيرة والصواريخ والأحزمة الناسفة بواسطة انتحاريين وكذلك العبوات المتفجرة اللاصقة والمزروعة، تلك الجرائم التي استهدفت في مجملها قيادات عسكرية وأمنية جنوبية وازنة وضباط وأفراد في الطوابير العسكرية وأثناء تناول وجبات الفطور في العنابر وسقوط عدد من الشهداء والجرحى والمعاقين جراء ذلك فضلًا عمّن كتب اللِّه لهم السلامة، وعلى نحو ما حدث في منصات الاحتفالات العسكرية في العند وفي الجلاء وأثناء المرور بالسيارات في الخط العام، وما حدث للأفراد والضباط في معسكر العند ومعسكر الصولبان واستهداف الطائرة التي كانت تقل حكومة ابن مبارك أثناء هبوطها في مطار عدن بمسيرة/ صاروخ وما نتج عن ذلك من أضرار بمبنى المطار وملحقاته وسقوط شهداء وجرحى من الذين كانوا موجودين أثناء الانفجار.
إن كل تلك الجرائم الإرهابية التي حصدت أرواح الأبرياء ما كان يمكن لها أن تحدث لولا الاختراق ووجود العميل وإرسال الإحداثيات، في ذات السياق وكمثال على خطورة دور ثالوث الاختراق يأتي ذِكْر العميل الذي تم كسبه وتأهيله وتدريبه وإعداده في تعز وتوفير الغطاء له و شقة مطلة على مطار عدن وكاميرا أوتوماتيكية تم تركيبها في نافذة الشقة تقوم بمراقبة الحركة في المطار وهبوط وطلوع الطائرات وإرسال الإحداثيات أوتوماتيكيًا إلى صنعاء وعلى نحو ما تم تداوله بعد اكتشافه وضبطه من قبل رجال الأمن الجنوبي الأفذاذ. وكذلك القيادي الحوثي الذي كان في لبنان مكلف بدور التنسيق بين الحوثيين وحزب الله وتم اكتشافه كعميل إسرائيلي وضبطه في السفارة اليمنية بلبنان وذلك الإيراني الذي تم اكتشافه كعميل إسرائيلي وضبطه أيضا.
وعلى صعيد الوقائع الخارجية: وجود نقاط مشتركة - مع وجود الاختلاف- بين شبكة العنكبوت في روسيا والبيجر في لبنان، وفي حرب إسرائيل مع إيران، إذ هي ربما تكون قد اتخذت وبشكل عام نفس سيناريو إنهاء حزب اللَّه من حيث استهدافها المباشر لقيادات الجيش والوحدات العسكرية، ونفس سيناريو استهداف روسيا من حيث استهداف الدفاعات الإيرانية وقصف منشآت نووية ومخابراتية من الداخل وإنشاء قاعدة مسيرات للطائرات المسيرة ونشر أسلحة هجومية تم استخدامها من الداخل وقوات كوماندوز تابعة لإسرائيل عملت من داخل إيران أيضًا قبل الضربة العسكرية وهيّئت لها وهي كما يبدو نفس فكرة أوكرانيا عندما استهدفت الطيران الروسي من الداخل، ربما يكون المخرج واحدًا وعلى نحو ما ورد في خلاصة آراء بعض المحللين.
وبصرف النظر عن مدى دقة وعدم دقة ما تم تداوله بشأن تلك الوقائع وتفاصيلها، وعما تم من هجوم أوكراني ورد روسي، وهجوم إسرائيلي ورد إيراني، بصرف النظر عن كل ذلك طالما كنا قد أوردنا كل ما سلف استعراضه فقط لتبيان مدى خطورة الاختراق ونتائجه وكذلك لتبيان - وهو بيت القصيد- أن الاختراق قد لا يكون منحصرًا على استهداف بلد ومنشآته ومقوماته وقدراته ودفاعته وقياداته العسكرية والأمنية والاقتصادية والخدمية وبُنيته التحتية وحسب ولكن ربما يستهدف أحزابًا ومكونات ومنظمات مجتمع مدني أيضًا.
مما يستوجب ذلك على صعيد وطننا الانتباه وتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر وتفقُّد الذات الداخلية التنظيمية والسياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية وما تم ذكره بعالية ما ينطبق لحمايتها من الاختراق ونتائجه قبل وقوعه، إذ هو ووفقًا للوقائع السالف ذكرها لم يكن لحظة زمنه ولكن يتم الإعداد والتهيئة له وتوفير وسائله وأدواته قبل تحديد ساعة التنفيذ ووقوع النتائج.