أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 04:00 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • "من عدن إلى لندن: ساعة بيج بن.. جسر زمني بين اليمن والعالم"

    د. نادر السقاف




    عندما يقف الزائر أمام برج "بيج بن" الشهير في لندن، وهو الاسم الشائع لبرج الساعة ضمن مبنى البرلمان البريطاني (واسمه الرسمي حاليًا "برج إليزابيث")، يشعر بعظمة التاريخ البريطاني وتفاصيل العمارة القوطية الجديدة التي تروي قصصًا من القرون الماضية. لكن ما قد لا يعرفه كثيرون، أن في مدينة عدن، جنوب اليمن، تقف نسخة مصغرة من هذا المعلم، شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ اليمن الحديث، حين كانت عدن جزءًا من الإمبراطورية البريطانية.

    تُعرف هذه النسخة في عدن باسم "بيج بن عدن" أو "ساعة التواهي"، وتقع في حي التواهي المطل على البحر. تم بناؤها في عام 1890 على يد البريطانيين الذين اتخذوا عدن مركزًا استراتيجيًا في طريق التجارة العالمي، خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869. وبُنيت الساعة لتكون تذكارًا وشاهدًا على التواجد البريطاني في المدينة، وتحوّلت تدريجيًا إلى معلم رمزي محلي، يربط بين الماضي الاستعماري والحاضر اليمني.

    وإن كانت "بيغ بن" الأصلية في لندن تُعد مثالًا بارزًا على العمارة القوطية الجديدة التي تجسّد الطموح البريطاني في القرن التاسع عشر، فإن "بيج بن عدن" تكتسب طابعًا خاصًا بها، حيث اندمجت الرمزية الغربية مع البيئة العدنية الفريدة. في قلب حي التواهي، ووسط الشوارع المطلة على الميناء والمباني ذات الطابع الكولونيالي القديم، تقف ساعة التواهي كعلامة على روح عدن المنفتحة على العالم، وقدرتها الدائمة على التفاعل مع الثقافات دون أن تفقد هويتها. فعدن لم تكن يومًا مجرد ميناء استراتيجي، بل كانت ولا تزال مدينةً نابضة بالحياة، حاضنة للتنوع، ومرآة لليمن الحضاري الذي يتقن مزج الأصالة بالحداثة.

    ورغم أن عدن تختلف كثيرًا عن لندن من حيث المناخ والتضاريس والثقافة، فإن "بيج بن عدن" تشكل نقطة التقاء ثقافي وزمني، وتُذكرنا بأن التاريخ لا يُكتب فقط في العواصم الكبرى، بل في الموانئ التي استقبلت السفن، وفي الأزقة التي شهدت التفاعل بين الشعوب.

    رغم ما تعانيه "بيج بن عدن" اليوم، لا تزال شامخة، وكأنها تقول: إن الوقت لم ينتهِ، وإن المستقبل لا يزال ممكنًا.

    الزمن في عدن لا يتوقف، ولا تُقاس قيمته فقط بدقات الساعة، بل بقدرة الناس على النهوض من بين الركام، وعلى حفظ ذاكرتهم وهويتهم. إن رمزية "بيج بن" – في عدن كما في لندن – تكمن في أنها تذكّرنا بأن الزمن قوة، لكنه ليس حتميًا، وأن الشعوب قادرة على كتابة فصول جديدة، حتى عندما تتوقف العقارب عن الدوران.

المزيد من مقالات (د. نادر السقاف)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال