> حسين أحمد اليزيدي
تعرف على شيء من أوهام الستينيات منذ صغر سنه، فقد كان يرافق والدته (الأمية) في زياراتها العلاجية ما بين (تختر) شعبي و(سيد)، ويتذكر أنهما ذات مرة صعدا منزلاً حديثاً من أربعة أدوار ودخلا غرفة كبيرة يتوسطها جالساً مقرفصاً شخص أبيض الوجه ممسكاً بمسبحة صفراء بيد اليمنى. يضع كوفية بيضاء على رأسه ويلبس شميزاً أبيض و(فوطة) خضراء مشدودة على وسطه بـ(كمر) أخضر ماركة أبو تمساح.. ويزيد من مكانته وهيبة المكان بدخان البخور الذي يلف الغرفة. كانت والدته تشكو حينها من آلام شديدة في كليتيها تنتقل إلى رأسها. مع صعوبة وحرقة في البول.
مر الأسبوع ولم تتحسن حالة أمه صحياً. وكان الصبي الصغير يستغرب ويتعجب لذلك الدواء الذي لم يفعل أثراً طيباً! كيف ذلك، وهو من عمل وريق السيد (بامطرف) الذائع الصيت بين النساء والأطفال وبعض الرجال؟.
في عصر اليوم الثامن. كان الولد الصغير ذو الـ10 سنوات تقريباً يجلس على كيس أرز نوع (كورة) في دكان عمه، الواقع في الشارع الثاني لمدينة المكلا، ليسجل البضاعة المشتراة ديناً، وفجأة دخل أحد أصدقاء عمه المقربين اسمه (سالم باجوبان) ويعمل مساعداً صحياً في المستشفى الحكومي. وبعد السلام والتحية شرح له عمه الحالة الصحية لأمه بدقة وزياراتها العلاجية وأدويتها وآخرها وصفة السيد (بامطرف).. لمعت عينا (باجوبان) الذكيتان وقال: بكرة الصبح هاتوها لإجراء فحوصات ومقابلة الطبيب. وكان ذلك ما تم في صبيحة اليوم التالي. حيث أظهرت الفحوصات وجود حجر كبير الحجم في الكلية اليمنى. وقرر الطبيب (الإنجليزي) إجراء عملية جراحية عاجلة لاستئصالها بعد يومين فقط.
نجحت العملية الجراحية وشفيت أم خالد مما تعانيه.
كبر الصبي الصغير واشتد عوده، أكمل دراسته الثانوية والجامعية وصار موظفاً محترماً ورجلاً مثقفاً وذا سمعة طيبة. تزوج وأنجب ستة من الذكور والإناث. وله أيضاً ستة عشر حفيداً.. وعلى الرغم من انقضاء أكثر من خمسين عاماً على ما حدث ولم ينمحِ من ذاكرته، إلا أنه وهو الرجل المسن المثقف المتنور مازال يسمع عن وقائع مشابهة لما مضى في محيط قريب إليه.. ويسمع أيضاً ويقرأ حكايات متنوعة مشدودة إلى صراع الوهم والحقيقة.