> إعداد/ عبدالقادر باراس:
نستعرض في هذه الحلقة أجواء السهر في ليالي رمضان بعدن خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، لنسلط الضوء على المجالس الأدبية والمسابقات الثقافية والرياضية، ودور الإذاعة والمقاهي والسينما كمصادر للترفيه، إلى جانب جلسات القات التي كانت جزءًا من طقوس السهر.

تناول المحامي محمد علي لقمان المحامي، الحديث عن الحلقات والمجالس الرمضانية في صحيفة "القلم العدني"، العدد 85، الصادر بتاريخ 27 أبريل 1955م، قائلاً: "كانت حلقات العلم الديني تُنظَّم ابتداءً من شهر رجب في كل عام، وكان الناس يسهرون الليل كله حتى بعد صلاة الصبح وشروق الشمس. كانوا يقرؤون كتب السيرة ويتذاكرون أيام العرب، بالإضافة إلى قراءة كتب عنترة وسيف بن ذي يزن وغيرهم. وكان القات كما هو، عماد السهر". ويضيف: "كان عدد كبير من طلبة العلم يجتمعون في بيت السيد عبد الله بن حامد الصافي، رحمه الله، يقرؤون الحديث الشريف كل ليلة. وكانت هذه المجالس تضم علماء وأدباء وشعراء وفقهاء يتساجلون ويناقشون. أذكر أنني حفظت 500 حديث على يد السيد المذكور. وكان من بين الذين حضروا مجالسه في تلك السنوات الخوالي السيد أبو بكر بن شهاب، أديب حضرموت العبقري وشاعرها الكبير، والسيد عبد الرحمن بن عبيد الله من حضرموت، والسيد عبد الله البطاح من علماء زبيد، والسيد محمد الحارمي، قاضي عدن".
كان إحياء السهرات في رمضان لا تنقطع في عدن، منها سهرات "الطمبرة" المشهورة، حيث يجتمع الناس ويقومون ببعض الرقصات التقليدية.
ففي الخمسينيات كانت تُقام "المخادر" في رمضان. كما كانت تُقام مجالس الطرب والغناء في أحياء - حوافي وأزقة مدينة عدن، حيث يُدعى إليها أبرز الفنانين الكبار وتمتد إلى أن تقترب ساعات الفجر، كما كانت تُقام جلسات طرب أخرى باستخدام الأسطوانات التي تُشغل بواسطة جهاز الجراموفون، وهو جهاز لا يعمل بالكهرباء.

لم يكن هناك تلفزيون في الخمسينيات، وكان من يمتلكون أجهزة المذياع يسمرون في ليالي رمضان ويستمعون إلى إذاعة لندن لمتابعة نشراتها الإخبارية، كما كانوا يتابعون إذاعة "صوت العرب"، خاصةً عندما كان الزعيم جمال عبد الناصر يلقي خطابًا. وكانت إذاعة عدن تقدم برامج وسهرات خاصة لشهر رمضان، تُذاع يوميًا بين الساعة الثامنة مساءً ومنتصف الليل بالتوقيت المحلي، بدلا من بثها المعتاد بعد الظهر.

يتذكر كبار السن ليالي شهر رمضان عندما مُنع تعاطي القات في منتصف الخمسينيات في عدن، فكان الموالعة، أي متعاطو القات، يذهبون إلى منطقة دار سعد وكانت تسمى (دار الأمير) التابعة لسلطنة لحج، كانت تلك المنطقة تشهد نشاطًا ملحوظًا وتُقام فيها جلسات المخادر. حيث تُوضع مفارش القات على طول الطريق المحاذية لبناية الجمرك، وتبدأ هذه الحركة عادة بعد الساعة الثامنة مساءً كل يوم. حيث يجلس السامرون على مخدتين بمضغ القات ومنهم من يستخدم "البوري" حتى أصبحت دار سعد وجهة مفضلة للكثيرين من سكان عدن الذين يتوافدون إليها لتعاطي القات حتى ساعات متأخرة من الليل.

كان للسينما في عدن حضور في شهر رمضان، تحديدًا بعد منتصف الخمسينيات. ولم تكن هناك دار عرض تعمل في النهار سوى سينما "بلقيس"، التي كانت مواعيد عروض أفلامها محددة. فقد كانت تبدأ في الفترة الصباحية في تمام الساعة العاشرة، بينما كان العرض الأول في المساء يبدأ في الساعة السابعة والنصف، يليه العرض الثاني في الساعة العاشرة إلا ربعًا مساءً.
المصادر:
- المعلومات التي أوردتها في حلقاتي الست تستند في معظمها إلى ذكرياتي التي عشتها خلال العقدين الأولين من حياتي.
- استندتُ أيضا إلى معلومات اقتبستها بتصرف من الأخبار المتعلقة بشهر رمضان، والتي نشرت في الصحف العدنية القديمة، خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، مثل صحف: "الرقيب" و"الأيام" و"فتاة الجزيرة" و"القلم العدني"، كما أُشير إلى بعضها في سياق الحلقات.
- استفدت من الإعلانات التي نشرتها صحيفتا 'الرقيب' و'الأيام' حول المنتجات الأكثر رواجا واستهلاكا في شهر رمضان، وحولتها إلى معلومات قيّمة.
- أتقدم بجزيل الشكر للتربوي القدير الأستاذ نبيل أنعم، أطال الله في عمره، الذي تكرم بسرد ذكرياته عن أجواء شهر رمضان في عدن قديما، وتحديدا في منطقة الشيخ عثمان.
كان كثير من أهالي عدن يستغلون أوقات ليالي شهر رمضان للسهر والمشاركة في فعاليات متنوعة، حيث كانت تُنظم برامج ثقافية وأدبية، تتضمن ندوات وحفلات موسيقية. هذه الأنشطة شكلت جزءًا مهمًا من الروتين الرمضاني في المدينة، ما يعكس التفاعل الثقافي والاجتماعي بين الأهالي.

ففي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي كانت المناظرات الشعرية الرمضانية تُقام تحت ضوء الفوانيس.
ومن بين هذه المجالس كان هناك مجلس علي لقمان، الشخصية الاجتماعية العدنية، كان المرحوم علي لقمان يحتضن هذه الجلسات الثقافية أمام منزله، ويتجمعون نخبة من الشعراء والادباء في لقاءاتٍ تسودها روح التنافس الشعري أثناء جلسات مضغ القات.
كانت هذه الجلسات تعكس تفاعلًا ثقافيًا مميزًا، حيث يتنافسوا في إلقاء القصائد وإثراء النقاشات الفكرية، كما كانت تُقام مجالس أدبية أخرى، حيث يروي أحد الرواة قصصًا تاريخية شيقة تتناول شخصيات وأحداثًا بارزة من الماضي.
تناول المحامي محمد علي لقمان المحامي، الحديث عن الحلقات والمجالس الرمضانية في صحيفة "القلم العدني"، العدد 85، الصادر بتاريخ 27 أبريل 1955م، قائلاً: "كانت حلقات العلم الديني تُنظَّم ابتداءً من شهر رجب في كل عام، وكان الناس يسهرون الليل كله حتى بعد صلاة الصبح وشروق الشمس. كانوا يقرؤون كتب السيرة ويتذاكرون أيام العرب، بالإضافة إلى قراءة كتب عنترة وسيف بن ذي يزن وغيرهم. وكان القات كما هو، عماد السهر". ويضيف: "كان عدد كبير من طلبة العلم يجتمعون في بيت السيد عبد الله بن حامد الصافي، رحمه الله، يقرؤون الحديث الشريف كل ليلة. وكانت هذه المجالس تضم علماء وأدباء وشعراء وفقهاء يتساجلون ويناقشون. أذكر أنني حفظت 500 حديث على يد السيد المذكور. وكان من بين الذين حضروا مجالسه في تلك السنوات الخوالي السيد أبو بكر بن شهاب، أديب حضرموت العبقري وشاعرها الكبير، والسيد عبد الرحمن بن عبيد الله من حضرموت، والسيد عبد الله البطاح من علماء زبيد، والسيد محمد الحارمي، قاضي عدن".
كان إحياء السهرات في رمضان لا تنقطع في عدن، منها سهرات "الطمبرة" المشهورة، حيث يجتمع الناس ويقومون ببعض الرقصات التقليدية.
ففي الخمسينيات كانت تُقام "المخادر" في رمضان. كما كانت تُقام مجالس الطرب والغناء في أحياء - حوافي وأزقة مدينة عدن، حيث يُدعى إليها أبرز الفنانين الكبار وتمتد إلى أن تقترب ساعات الفجر، كما كانت تُقام جلسات طرب أخرى باستخدام الأسطوانات التي تُشغل بواسطة جهاز الجراموفون، وهو جهاز لا يعمل بالكهرباء.
كان أهالي عدن يخرجون كراسيهم من منازلهم إلى الشوارع، حيث يجتمع أبناء الحي ويتسامرون فيما بينهم وكانوا يحضرون أوراق 'البطة' ولعبة 'الدومنة'، ويلعبونها تحت ضوء المصباح الحكومي.

لم يكن هناك تلفزيون في الخمسينيات، وكان من يمتلكون أجهزة المذياع يسمرون في ليالي رمضان ويستمعون إلى إذاعة لندن لمتابعة نشراتها الإخبارية، كما كانوا يتابعون إذاعة "صوت العرب"، خاصةً عندما كان الزعيم جمال عبد الناصر يلقي خطابًا. وكانت إذاعة عدن تقدم برامج وسهرات خاصة لشهر رمضان، تُذاع يوميًا بين الساعة الثامنة مساءً ومنتصف الليل بالتوقيت المحلي، بدلا من بثها المعتاد بعد الظهر.
وبالنسبة للقات في تلك الفترة كان موالعو ماضغو القات لا يستطيعون أداء صلاة التراويح إلا بعد مضغ قليل من أغصان القات. فقد كانت تُقام جلسات تسمى "مخادر".

يتذكر كبار السن ليالي شهر رمضان عندما مُنع تعاطي القات في منتصف الخمسينيات في عدن، فكان الموالعة، أي متعاطو القات، يذهبون إلى منطقة دار سعد وكانت تسمى (دار الأمير) التابعة لسلطنة لحج، كانت تلك المنطقة تشهد نشاطًا ملحوظًا وتُقام فيها جلسات المخادر. حيث تُوضع مفارش القات على طول الطريق المحاذية لبناية الجمرك، وتبدأ هذه الحركة عادة بعد الساعة الثامنة مساءً كل يوم. حيث يجلس السامرون على مخدتين بمضغ القات ومنهم من يستخدم "البوري" حتى أصبحت دار سعد وجهة مفضلة للكثيرين من سكان عدن الذين يتوافدون إليها لتعاطي القات حتى ساعات متأخرة من الليل.
القات في تلك الفترة لم يكن يحظى باهتمام كبير من قِبَل الكثيرين، خاصةً بين الشباب، إذ كانت البدائل الترفيهية والثقافية متاحة لهم، وكانت تُنظَّم لهم برامج ومسابقات رياضية وثقافية تنافسية في المدارس، كما كانت الأندية الرياضية والثقافية تقدّم لهم ندوات ولقاءات متنوعة تُقام في المساء يحضرها مثقفون يلقون محاضرات مفيدة، حيث يقضون أوقاتهم حتى منتصف الليل. وكانوا يمارسون العديد من الأنشطة الرياضية، مثل كرة الطائرة والريشة الطائرة، إلى جانب المسابقات التنافسية المختلفة التي كانت تُنظَّم آنذاك.

كان للسينما في عدن حضور في شهر رمضان، تحديدًا بعد منتصف الخمسينيات. ولم تكن هناك دار عرض تعمل في النهار سوى سينما "بلقيس"، التي كانت مواعيد عروض أفلامها محددة. فقد كانت تبدأ في الفترة الصباحية في تمام الساعة العاشرة، بينما كان العرض الأول في المساء يبدأ في الساعة السابعة والنصف، يليه العرض الثاني في الساعة العاشرة إلا ربعًا مساءً.
كما كان بعض الأهالي يتجمعون في أشهر المقاهي، مثل مقهى الشجرة في الشيخ عثمان، ومقهى فارع في شارع حسن، بالإضافة إلى المقاهي الأخرى المشهورة في مختلف أرجاء عدن. وكانت تجمعاتهم تسودها أجواء المرح، حيث كانوا يحتسون الشاي العدني ويدندنون بالأشعار والأغاني، ويرقصون.
- المعلومات التي أوردتها في حلقاتي الست تستند في معظمها إلى ذكرياتي التي عشتها خلال العقدين الأولين من حياتي.
- استندتُ أيضا إلى معلومات اقتبستها بتصرف من الأخبار المتعلقة بشهر رمضان، والتي نشرت في الصحف العدنية القديمة، خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، مثل صحف: "الرقيب" و"الأيام" و"فتاة الجزيرة" و"القلم العدني"، كما أُشير إلى بعضها في سياق الحلقات.
- استفدت من الإعلانات التي نشرتها صحيفتا 'الرقيب' و'الأيام' حول المنتجات الأكثر رواجا واستهلاكا في شهر رمضان، وحولتها إلى معلومات قيّمة.
- أتقدم بجزيل الشكر للتربوي القدير الأستاذ نبيل أنعم، أطال الله في عمره، الذي تكرم بسرد ذكرياته عن أجواء شهر رمضان في عدن قديما، وتحديدا في منطقة الشيخ عثمان.